منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا
منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

النظرية السوسيولوجية وقضايا الاتصال والإعلام

اذهب الى الأسفل

النظرية السوسيولوجية وقضايا الاتصال والإعلام Empty النظرية السوسيولوجية وقضايا الاتصال والإعلام

مُساهمة من طرف حسني إبراهيم عبد العظيم الخميس يوليو 07, 2011 3:59 pm

النظرية السوسيولوجية وقضايا الاتصال والإعلام
دكتور حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع – كلية الآداب
جامعة بني سويف – ج.م.ع

مدخل:

تعد النظرية Theory عنصرًا هامًا في البحث العلمي، فهي نشاط ذهني وعملية فكرية تفيد الباحث في تفسير الظواهر المختلفة، ومن ثم فهي تقدم فهمًا علميًا لها. وتحاول النظرية السوسيولوجية كشف المبادئ العامة التي تمكن الباحثين من فهم الواقع الاجتماعي فهمًا متناميًا ومتطورًا.
واستنادًا إلى ذلك حاولت الاتجاهات النظرية السوسيولوجية تفسير الظواهر المرتبطة بالاتصال الإنساني – بصورة مختلفة – وفق منطلقاتها الفكرية والمنهجية، فقدمت المادية التاريخية والبنائية الوظيفية والتفاعلية الرمزية وجهات نظر مختلفة حول قضية الاتصال وأبعاده المختلفة، كما طرحت الاتجاهات النقدية الحديثة رؤى أخرى مغايرة لما قدمته الاتجاهات الكلاسيكية المبكرة.
وفي هذا الإطار، سوف نعرض ونحلل رؤية الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع لقضية الاتصال وأبعادها المختلفة، محاولين الكشف عن تأثير هذه الاتجاهات في تطور بحوث الاتصال.

أولا :الماركسية :الإعلام وتبرير الهيمنة البورجوازية

ينقسم المشروع النظري الماركسي إلى جانبين أساسيين، مترابطين ومتكاملين، وهما:
1. المادية الجدلية Dialectical Materialism.
2. المادية التاريخية Historical Materialism.
تمثل المادية الجدلية المكون الفلسفي للنظرية الماركسية، فهي الرؤية الفلسفية التي تنبثق عنها جميع قضايا النظرية، وتتلخص هذه الرؤية في اعتبار العالم: "كل مكونٍ من مادة متحركة حركة تصاعدية تؤدي إلى حدوث تغيرات متتالية".
وتتسم المادية الجدلية من جهة أنها (مادية) بالاعتقاد بأن العالم مادة متطورة – لا إرادة إلهية فيها – وأن العالم المادي موجود، سواء أشعرنا به أم لم نشعر، وأن الوعي والحس، ما هما إلا نتيجتان للمادة، فالوجود المادي سابق على الوعي.
أما كونها "جدلية" فيعني النظر إلى العالم باعتباره كلاً مترابطًا في حركة دائمة وتطور مستمر، وتنبع الحركة والتطور من التناقضات الكامنة في جميع أجزائه، تؤدي هذه التناقضات إلى صراع بين القديم والجديد، صراع ينتهي بالانتصار الحتمي للجديد، ويرى ماركس أن التناقض هو جوهر الأشياء، ومن ثم فهو شامل ومطلق، وتوجد التناقضات كأساس للتغير في كل العمليات والأشياء.
أما المادية التاريخية فهي علم الاجتماع الماركسي، حيث يتم تطبيق مبادئ المادية الجدلية على تطور المجتمع الإنساني، ويعتبرها ماركس نظرية علمية للتطور الاجتماعي، ومنهجًا للتغير.
وتنطلق الرؤية الماركسية من فكرة أن المجتمع هو وحدة اجتماعية – اقتصادية مترابطة في حركة مستمرة، وتغير دائم، يحتل فيه نشاط الإنسان وعلاقته بأخيه الإنسان المقام الأول، وقد طرحت الماركسية مفهومًا يعبر عن هذه الرؤية وهو: "التكوين الاقتصادي - الاجتماعي" Socio - Economic Formation الذي يعني نموذجًا تاريخيًا للمجتمع يقوم على أساس أسلوب إنتاجي معين، ويظهر كمرحلة في تطور المجتمع الإنساني.
يتشكل التكوين الاقتصادي – الاجتماعي من جانبين مترابطين:
- الأول: يسمى الأساس Base أو البناء التحتي Infrastructure ويقصـــــد به كل العناصر المادية والاقتصادية المرتبطة بعملية الإنتاج، ويتكون ذلك الأساس من عنصرين:
أ‌. قوى الإنتاج: Production Forces: ويقصد بها الإنسان العامل ووسائل الإنتاج كالأرض والمناجم والغابات والمواد الخام، والآلات والأدوات اللازمة للإنتاج.
ب‌. علاقات الإنتاج: Production Relations:
وهي العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد أثناء عملية الإنتاج، لأن الإنسان لا يستطيع أن ينتج بمفرده، وتعتمد علاقات الإنتاج على عنصرين أساسيين وهما ملكية وسائل الإنتاج، وتقسيم العمل وتنظيمه، فالذين يملكون وسائل الإنتاج، يتحكمون في توزيع أرباحه، رغم أنهم لا يسهمون بشكل مباشر في ألإنتاج، أما الذين لا يملكونها، فيظلون خاضعين لمن يملكون، ولا يحصلون إلا على قدر ضئيل من الأرباح، وينتج عن ذلك وجود تناقضات بين طبقة الملاك (وسماهم الطبقة البورجوازية) والطبقة العاملة (وأطلق عليهم ماركس طبقة البروليتاريا).
- الثاني: يسمى البناء الفوقي Super Structure وهو مجمل العناصر الأخرى –غير الاقتصادية- في المجتمع، ويتضمن البناء السياسي والتشريعي، والفلسفي والأخلاقي والجمالي والديني، وما يترتب على ذلك من مؤسسات وعلاقات. وهناك علاقة جدلية بين البناء الفوقي والبناء التحتي فكل منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، ويتحدد موقع المجتمع في الواقع والتاريخ وفقًا لهذه العلاقة.
وتتمثل أهمية مفهوم التكوين الاقتصادي – الاجتماعي في أنه يوضح الوحدة العضوية بين مختلف الظواهر الاجتماعية والترابط بينها، كما أنه يبين لنا أنه لا يمكن الحديث بشكل مجرد عن المجتمع بوجه عام، ولكن يجب دائمًا الحديث عن مجتمع ذي طابع خاص مميز، فلكل تكوين اقتصادي – اجتماعي قواه الإنتاجية الخاصة به، ونمط محدد من علاقات الإنتاج وحياة روحية تميزه، وهكذا فإن كل تكوين اقتصادي ـ اجتماعي يخضع لقوانين تاريخية عامة، ولكنه يخضع أيضًا لقوانين خاصة به. ولذلك يرى ماركس أنه لا يمكن فهم العلاقات الاجتماعية بدون إرجاعها إلى علاقات الإنتاج وربط علاقات الإنتاج بقوى الإنتاج.
وعلى أساس مفهوم التكوين الاقتصادي – الاجتماعي، أمكن لماركس تقسيم تطور المجتمعات إلى المراحل الست التالية:
1. المرحلة الشيوعية البدائية Primitive Communism.
2. مرحلة العبودية Slavery. مرحلة الإقطاع Feudalism.
3. المرحلة الرأسمالية Capitalism. المرحلة الاشتراكية Socialism.
4. المرحلة الشيوعية Communism.
ويرى ماركس أن المراحل التاريخية المذكورة هي نتيجة الصراع بين الطبقات، المرتبط بالتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، مما أدى إلى حدوث ثورات متتالية من الطبقات المستضعفة. وقد اعتقد ماركس أن تاريخ كل المجتمعات هو تاريخ الصراع الطبقي.
يتضح مما سبق أن النظرية الماركسية –التي عرضنا أبرز قضاياها بإيجاز شديد- تركز على الأبعاد المادية – الاقتصادية للمجتمع ومدى تأثيرها على الأبعاد الأخرى، كما أنها تتناول قضية الصراع الطبقي والتطور الاجتماعي.
أما عن موقف الماركسية من قضايا الاتصال فيمكن القول إن هذه النظرية قد تضمنت العديد من القضايا التي تفيد في دراسات الاتصال الجماهيري، من هذه القضايا فكرة البناء الفوقي والتحتي، فوفقًا لماركس فالبناء الفوقي الذي يبنى على أساس اقتصادي محدد يعبر في نهاية الأمر عن موقف الناس من هذا الأساس. إن أفكار الناس (البناء الفوقي) تصبح بمثابة تبرير أو دفاع أو استنكار وهجوم على هذا الأساس. فالمؤسسات الحكومية في الدولة الرأسمالية أو الإقطاعية وأجهزة الإعلام والصحف الحزبية فيها تعمل على تبرير وتدعيم هذا الأساس.
إن ماركس يعتبر وسائل الإعلام سلاحًا إيدولوجيًا قويًا للسيطرة على الجماهير، وجعلهم يخضعون خضوعًا إراديًا طوعيًا للنظام الرأسمالي، ويسيرون وفق مقتضياته وتصوراته عن الواقع الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى، يرى ماركس أن الطبقة التي تتحكم في وسائل الإنتاج المادي، تقوم بالتحكم في وسائل الإنتاج العقلي في ذات الوقت.... وبالتالي يمكن القول ـــ بشكل عام ـــ إن أفكار أولئك الذين لا يملكون وسائل الإنتاج العقلي ـــ أفراد الطبقة الدنيا ـــ تكون انعكاسًا لأفكار الطبقة العليا، ولذلك، فإن الطبقة البورجوازية تنتج أفكارًا وقيمًا معينة في وقت معين، وتقوم بنشرها وتوزيعها عبر وسائل الاتصال المختلفة، وتصبح هذه الأفكار هي الأفكار المهيمنة على ذلك العصر، والمؤثرة على المجتمع بأسره. وهي أفكار تصب في النهاية في خدمة الطبقة البورجوازية.
واستنادًا إلى ذلك، يمكن استخلاص ثلاث قضايا أساسية تكشف العلاقة بين الطبقة العليا (البورجوازية) ووسائل الاتصال:
1. يملك البورجوازيون وسائل الإنتاج المادي والفكري وبالتالي يتحكمون في إنتاج وتوزيع الأفكار في المجتمع عبر وسائل الاتصال التابعة لهم، وهو ما ييسر لهم عملية الضبط الاجتماعي على الطبقات الأخرى.
2. أنه نتيجة لهذا الضبط، تلقى وجهات نظر هؤلاء الأفراد –الطبقة البورجوازية- وتفسيراتهم للعالم المحيط بهم انتشارًا وعمومية، وتصبح مسيطرة على تفكير الجماعات التابعة.
3. أن تلك السيطرة الإيديولوجية تلعب دورًا رئيسيًا في تدعيم وتثبيت الاختلافات والفروق الطبقية.
وننتهي مما سبق إلى أن تناول الماركسية لقضايا الاتصال والإعلام قد انطلق من الاتجاه العام لهذه النظرية، وارتبط بمنطلقاتها الفكرية الأساسية، فالاتصال والإعلام هو جزء من البناء الفوقي المستند إلى الأساس أو البناء التحتي، فالذين يملكون وسائل الإنتاج المادي، قادرون أيضًا على تملك وسائل الإنتاج العقلي وضبطها وتوزيعها، فالطبقة البورجوازية تمتلك وسائل الإنتاج، وهي قادرة في ذات اللحظة على خلق مجموعة من القيم والمبادئ تيسر لها التحكم في الطبقة الدنيا. وتلعب وسائل الإعلام دورًا مؤثرًا في نشر هذه الأفكار على نطاق واسع، وإقناع الطبقة الدنيا بها.

النظرية الوظيفية:الإعلام والمحافظة على الوضع الراهن

لعبت مقولات وقضايا النظرية الوظيفية دورًا هامًا في توجيه بحوث الاتصال في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات لفترة طويلة، ويعد كل من "تالكوت بارسونز" T. Parsons و"روبرت ميرتون" R. Merton من أبرز العلماء الذين أثروا بفكرهم على دارسي الاتصال الجماهيري تأثيرًا واضحًا.
والواقع أن النظرية البنائية الوظيفية تمثل أكثر الاتجاهات النظرية رواجًا في علم الاجتماع في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وأغلب دول العالم منذ ثلاثينات القرن الماضي، وخلال هذه الفترة ظهرت مؤلفات هائلة حول هذه النظرية التي تعد من المعالم الرئيسية لعلم الاجتماع الأكاديمي المعاصر.
ويرجع تسمية هذه النظرية بالبنائية الوظيفية إلى اعتمادها على مفهومين أساسيين في تحليل المجتمع وتفسيره، وهما "البناء" Structure و"الوظيفة" Function المستمدين أساسًا من علم الأحياء، ويمثل هذان المفهومان العمود الفقري لهذه النظرية.
يرجع الفضل في صياغة مصطلح البناء الاجتماعي إلى عالم الأنثروبولوجيا البريطاني الشهير "رادكليف براون" Radeliff Brown وذلك في محاضرة معروفة ألقاها في عام 1940 أمام المعهد الأنثروبولوجي الملكي في لندن تحت عنوان في البناء الاجتماعي On Social Structure حيث قرر أن البناء الاجتماعي هو مجموعة العلاقات الاجتماعية الثابتة والدائمة التي تربط بين أعضاء المجتمع الذين يلعبون أدوارًا معينة S. Roles ويشغلون مكانات اجتماعية محددة، ويِّكونون بالتالي جماعات اجتماعية متعددة داخل المجتمع.
ويرى "هيوارد بيكر" H. Becker أن البناء الاجتماعي يتضمن شبكة من العلاقات بين الأشخاص أو الفاعلين Actors وبالتالي فهو ترتيب للأوضاع والمراكز الاجتماعية.
ويتفق معظم علماء الاجتماع الآن على أن البناء الاجتماعي هو شبكة من العلاقات الاجتماعية الثابتة والدائمة بين أفراد يشغلون مكانات اجتماعية محددة، مما يؤدي إلى وجود مجموعة من النظم الاجتماعية المتساندة، يؤدي كل نظام وظيفة محددة لهم في بقاء البناء الاجتماعي ككل. والافتراض الأساسي هنا هو بقاء هذا البناء يتوقف على العلاقات بين النظم المختلفة وأدائها لوظائفها.
أما مفهوم الوظيفة Function فله استخدامات متعددة لدى منظري الوظيفية، إلا أن المعنى الأكثر قبولاً والأوسع انتشارًا فهو أن الوظيفة هي الإسهام الذي يقدمه الجزء للكل، وهذا الكل قد يكون المجتمع أو الثقافة، وهذا هو المعنى الذي نجده عند دوركايم ورادكليف براون ومالينوفسكي، وهناك معانٍ أخرى للوظيفة، مثل الإسهام الذي تقدمه الجماعة لأعضائها، (مثل الحديث عن وظيفة الأسرة في التنشئة الاجتماعية والحماية والانتماء- الخ) كما تستخدم بمعنى المهنة أو العمل، أو الإشارة إلى المنفعة التي يحصل عليها الشخص نتيجة ممارسته لأعمال معينة.
وقد أضاف "ميرتون" بعدًا جديدًا لمفهوم الوظيفة حينما قام بصياغة مفهومي "الوظيفة الواضحة" Manifest و"الوظيفة الكامنة" Latent يقصد "ميرتون" بالوظيفة الظاهرة النتائج والأهداف الموضوعية والمقصودة التي يمكن ملاحظتها وتسهم في الحفاظ على النسق، أما الوظيفة الكامنة فهي تلك التي لم تكن مقصودة أو متوقعة .
ويمكن القول بوجه عام إن النظرية الوظيفية تقوم على ست أفكار رئيسية:
1. يمكن النظر إلى أي شئ – سواء أكان كائنًا حيًا أو اجتماعيًا أو فردًا أو مجموعة، أو تنظيمًا رسميًا أو مؤسسة أو مجتمعًا أو حتى العالم بأسره على أنه نسق أو نظام System وهذا النسق يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، لكل جزء وظيفة محددة يقوم بها للمحافظة على النسق.
2. لكل نسق احتياجات أساسية لابد من الوفاء بها، وإلا فإن النسق سيفنى أو يتغير تغيرًا جوهريًا، فالمجتمع في حاجة لتنظيم أساليب السلوك (القانون) وفي حاجة لإضافة أفراد جدد (عن طريق الزواج) وفي حاجة لمجموعة لرعاية الأطفال (الأسر) وهكذا.
3. يمكن تحقيق كل حاجة من حاجات النسق بواسطة عدة متغيرات أو بدائل alternatives فحاجة المجتمع لرعاية الأطفال وتعليمهم يمكن أن تقوم بها الأسرة أو دور الحضانة أو المدارس، وحاجة المجتمع للتماسك تتحقق عن طريق قوة العادات والتقاليد، وسيادة قدسية الدين، أو ربما نتيجة الشعور بتهديد من عدو خارجي.
4. توازن النسق قضية جوهرية، فلابد أن يكون المجتمع في حالة توازن Equilibrium ولكي يتحقق هذا التوازن لابد أن تلبى كل حاجات النسق، ويرى بارسونز أن التوازن يتم من خلال تكامل مكونات النسق وترابطها، بحيث تقاوم أي تغيرات قد تضر بقاء النسق، وإذا حدث أي تغير، فإن النسق يرجع إلى حالة التوازن بصورة تلقائية.
5. لكل جزء من أجزاء النسق سمة تؤثر في بقائه وتوازنه، فقد يكون وظيفيًا أي يسهم في تحقيق التوازن، وقد يكون معوقًا وظيفيًا أي يقلل من عدم التوازن، أو قد يكون غير وظيفي أي ،عديم القيمة بالنسبة للنسق.
6. وحدة التحليل هي الأنشطة والنماذج المتكررة والصور العامة للسلوك، وليست وحدات فردية محددة فالتحليل الوظيفي لا يحاول أن يشرح كيف ترعى أسرة معينة أطفالها، وإنما يهتم بكيفية تحقيق الأسرة -كنظام- لهذا الهدف.
يتضح مما سبق أن النظرية البنائية الوظيفية تنظر إلى المجتمع باعتباره نسق في حالة توازن، وهذا النسق هو بناء منظم وثابت مكون من عدد من الأجزاء المترابطة، ولكل جزء (أو نظام) من هذه الأجزاء وظيفة يؤديها للحفاظ على بقاء النسق وتوازنه.
وإذا أردنا تطبيق المقولات الوظيفية على موضوع الاتصال الإنساني والإعلام، يمكن القول إن النظرية الوظيفية تنظر إلى الاتصال والإعلام كنسق اجتماعي يشكل جزءًا هامًا من البناء الاجتماعي، فهو يمثل جزءًا من كل، أي نسق فرعي ضمن النسق الاجتماعي العام، كما أنها تنظر إليه باعتباره كلاً مكونًا من أجزاء، أي نسق يتكون من عناصر متعددة تشكل جوهر عملية الاتصال، وتتساند للمحافظة على بقائه، ثم التعرف على مدى إسهام النسق الإعلامي في توازن المجتمع.
وقد أسهم العديد من العلماء الوظيفيين في تحليل النسق الإعلامي انطلاقًا من الرؤية العامة للوظيفية، واستنادًا إلى مفاهيمها الأساسية، ومن أبرز هؤلاء العلماء بول لازارسفيلد، روبرت ميرتون، وويلبورشرام W. Schramm و"بيرنارد بيرلسون" B. Berelson و"تشارلز رايت" Ch. Wright.
وتعد إسهامات هؤلاء العلماء بمثابة حجر الأساس للدراسات المعاصرة حول وظائف الإعلام وآثاره على الفرد والمجتمع، فيشير هارولد لازويل H. Lasswell أن هناك ثلاث وظائف للإعلام هي: مراقبة البيئة، والربط بين أجزاء المجتمع، ونقل التراث الاجتماعي من جيل إلى جيل، وقد أضاف تشارلز رايت وظيفتين هما التفسير والترفيه (أو التسلية)، بينما أضاف لازار سفيلد وظيفتين أخريين وهما: منح المكانة، وتسييد أو ترويج الأنماط والصور الاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد قام "روبرت ميرتون" بتحليل الوظائف الظاهرة والكامنة للتليفزيون باعتباره أحد أهم وسائل الإعلام الجماهيري.
إن التليفزيون يؤدي وظائف اجتماعية هامة وواضحة، فله وظيفة إعلامية تتضمن إحاطة الأفراد بالأخبار الصادقة، وله وظيفة ترويحية، كما أنه يقوم بالدعاية والإعلان عن الأفكار والسلع والخدمات، إن هذا الجهاز – أو البناء بالمفهوم الوظيفي- يساهم في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي، فهو يساعد على إيجاد الاتفاق على القيم الاجتماعية بطريقة فعالة، وإن لم تكن مباشرة، إن ما يشاهد على شاشة التليفزيون يعكس القيم التقليدية السائدة في المجتمع، ولا يتحدى المعتقدات التي تلقى قبولاً اجتماعيًا. تلك هي الوظائف الظاهرة والمقصودة التي يقوم بها التليفزيون.
غير أنه من جانب آخر قد يؤدي بعض الوظائف الكامنة، فهو يقوم في بعض المجتمعات بتحويل اهتمام الجماهير إلى مسائل أخرى -فرعية- مثل مباريات كرة القدم، والأعمال الدرامية الأجنبية المثيرة، وبذلك فإنه (يلهي) الجماهير عن همومهم، (ويشغلهم) عما يعانون منه في حياتهم الاجتماعية من مشكلات، وربما أدى ذلك إلى الإحساس بشئ من القناعة والسلبية واللامبالاة، وذلك يخدم الطبقة الحاكمة في الحفاظ على الوضع الراهن.
وبالإضافة إلى صياغة ميرتون لمفهوم الوظائف الظاهرة والكامنة، وتطبيقه على الإعلام، طرح فكرة أخرى هامة، وهي: محتوى الذوق الهابط والذوق الرفيع كظواهر متكررة تؤثر في سلوك الجمهور المتلقي. يعني محتوى الذوق الهابط أن بعض ما يعرض على وسائل الإعلام قد يحط من مستوى الذوق كالعنف الزائد، وتصوير الأساليب الإجرامية والإغراق في تفاصيلها، ودراما الرعب، والبرامج والمواد الإباحية، والموسيقى الصاخبة. أما محتوى الذوق الرفيع فيعني المواد الإعلامية التي ترتقي بسلوك الجمهور وعواطفه وفكره كالدراما الهادفة، والأغاني والموسيقى الراقية، والبرامج الواعية المستنيرة والبنائة.
ونشير أخيرًا إلى أن الوظيفيين قد ناقشوا بعض القضايا المرتبطة بتأثير وسائل الإعلام على الأفراد والجماعات، ونالت قضية تأثير وسائل الإعلام في عملية التنشئة الاجتماعية اهتمامًا خاصًا، فثمة اتفاق بين العلماء على أن الأسرة والمؤسسة الدينية وجماعات الأصدقاء والرفاق والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام هي الأدوات الأساسية للتنشئة الاجتماعية، أي أن وسائل الإعلام تمارس دورًا في عملية التنشئة أو بتعبير تشارلز رايت "إن وسائل ألإعلام تتولى جانبًا من جوانب عملية التنشئة الاجتماعية".

3. التفاعلية الرمزية: الإعلام وبناء المعنى

التفاعلية الرمزية Symbolic Internationalism اتجاه فكري يحاول ن يصور الاحتمالات الممكنة التى تواجه عملية التفاعل بين الأفراد، وخاصة فيما يتعلق بتكوين الذات Self ويمثل هذا الاتجاه "جورج هربرت ميد" G.H.Mead و"هربرت بلومر" H. Blumer فالتفاعل الإنساني من وجهة نظرهما عملية تكوين إيجابية لها أسلوبها الخاص، ويحدد المشتركون اتجاهات سلوكهم وفق تفسيرات دائمة للأفعال التي يقوم بها الآخرون، كما يعدل الآخرون استجابتهم، ويعيدون تنظيم مقاصدهم ورغباتهم ومشاعرهم واتجاهاتهم حسب هذه التفسيرات، لكي يستطيعوا التوافق مع موقف التفاعل.
وترجع جذور هذا الاتجاه في الفكر الأوروبي إلى أعمال "جورج سيمل" G.Simmel و "ماكس فيبر" M.Webber و"إميل دوركايم" E.Durkhiem أما جذوره في الفكر الأمريكي فتوجد في أعمال "جورج هربرت ميد" و"تشارلز كولي" Ch. Cooley والفلسفة البراجماتية وخاصة أعمال "وليم جيمس" W. Games و"جون ديوي" J. Dewey.
وتهتم هذه النظرية بالعلاقة بين الفرد والمجتمع وكيف يرتبط الفرد بالمجتمع، وكيف ينفصل عنه، وكيف يستطيع الأفراد تكوين المجتمع والمحافظة عليه وتغييره، وفي ذات الوقت كيف يشكل المجتمع الفرد ليتكيف مع الآخرين.
وتدور محاور الاهتمام في التفاعلية الرمزية –بوجه عام- حول القضايا التالية:
1. التركيز على رؤية الفرد وتفسيره للحقيقة الاجتماعية.
2. يتسم هذا التفسير بالديناميكية والتبادلية داخل عملية التفاعل الاجتماعي.
3. التفاعل الاجتماعي بين أفراد المجتمع تحدده مجموعة من الظروف المجتمعية.
4. يتصف التفاعل الاجتماعي بالرشد والعقلانية النابعة من موقف التفاعل نفسه، ويمثل بذلك أساس التنظيم الاجتماعي العام.
5. يؤدي التفاعل الاجتماعي إلى ظهور روابط وأشكال اجتماعية معقدة وديناميكية في إطار التنظيم الاجتماعي.
6. يتم تحليل المجتمع ودراسته على مستوى الوحدات الصغرى.
7. التركيز على دور الرموز في التفاعل الاجتماعي، والاعتماد على المنهج الاستقرائي حيث يتم استنباط التعميمات من وقائع جزئية.
وإذا كان الأمر يتطلب ــــ وفق هذه النظرية ــــ فهم المجتمع من خلال تصورات الفاعلين، والمعاني التي يضفونها على موقف التفاعل، فإن ذلك يتطلب أساسًا منهجيًا محددًا يختلف عن الأسس المنهجية للنظريات الأخرى، ولذا فإن هذه النظرية قد تبنت أساسًا منهجيًا يدور حول القضايا المنهجية التالية:
‌أ) ربط السلوك الكامن Covert بالسلوك الظاهر Overt فالباحث يدرس السلوك الظاهر، ويحاول التعمق في كشف المعاني التي يضفيها الأفراد على هذا السلوك.
‌ب) يهتم الباحث بمفهوم الذات كموضوع وعملية في ذات الوقت، فيدرس السلوك من وجهة نظر الأفراد الذين يدرسون، موضحًا تحول الذات عبر المعاني المختلفة في المواقف الاجتماعية المتباينة.
‌ج) يربط الباحث الرموز والمعاني بالعلاقات الاجتماعية الأوسع وإلا ظل مستوى التحليل في البعد السيكولوجي.
‌د) يجب أن يكون التحليل الموقفي عنصرًا أساسيًا في الدراسة، طالما أن السلوك يظهر داخل موقف، وأن المعنى الذي يعطى للموقف يؤثر في السلوك (وتتضمن عناصر الموقف: الفاعلين، مكان التفاعل، المعاني التي تظهر في الموقف، والوقت الذي يستغرقه التفاعل)
‌ه) يتميز التفاعل الرمزي بأنه تفاعل مستمر ومتغير، فهو مستمر باعتباره أحد العناصر الثابتة في المجتمع، ولكن مضمونه والأفراد القائمين به متغيرون. ولذا يجب أن يعكس البحث هذين الجانبين من التفاعل.
ولقد أثرت التفاعلية الرمزية بقوة في دراسات الاتصال والإعلام حيث استلهم الباحثون في مجال الاتصال والإعلام قضايا النظرية، وطبقوها على هذا المجال، وأدى ذلك إلى ظهور عدة نماذج تفسر التأثيرات المختلفة لوسائل الإعلام.
وقد كانت نظرية بناء المعنى The Meaning Construction Theory والغرس Cultivation Theory من أبرز الأفكار التي طرحت متأثرة بمعطيات التفاعلية الرمزية، وتعد نظرية المعنى بمثابة الأساس الذي قامت عليه نظرية الغرس.
جاء الاهتمام الواسع بنظرية بناء المعنى بعد أن توصلت بحوث التأثير إلى محدودية تأثير وسائل الإعلام على القيم والاتجاهات وقواعد السلوك، وبالتالي اتجهت إلى التركيز على الجوانب الإدراكية والمعرفية، وفي هذا السياق طرح سؤال كيف يطور البشر معرفتهم بالواقع؟ واستفادت بحوث الإعلام من اجتهادات علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا واللغة والنفس، واهتمت بدور وسائل الإعلام في نقل الحقائق، ودور الكلمات والرموز وقواعد اللغة وطبيعة المعاني واستخداماتها في عملية المعرفة وبناء المعنى.
والواقع أن الاهتمام المعاصر بدور الإعلام في بناء المعنى لم ينشأ من فراغ، إذ أن جذوره ترجع إلى عام 1922 عندما كتب "وولتر ليبمان" Walter Lippman كتابه الرأي العام، وتحدث فيه عن دور الصحافة في خلق الصورة التي في رؤوس الناس عن العالم، وذلك من خلال عملية جمع ونشر الأخبار وتفسيرها... وخلص ليبمان إلى أن الناس لا يتصرفون على أساس الحقائق التي يرونها أو تحدث بالفعل، لكن على أساس ما يعتقدون أنه موقف حقيقي، ويأتي هذا الاعتقاد إليهم عبر المعنى والتفسير الذي تقدمه الصحافة.
ومن جانب آخر ظهر اتجاه لدراسة تأثير الإعلام في اللغة والمعاني المتداولة، فقد ثبت أن الإعلام يقوم أحيانًا بنحت كلمات جديدة ونشرها مثل روتر جيت Water Gate وإيران جيت Iran Gate علاوة على خلق اتفاق مشترك بين الناس على المعاني، وقد قام الإعلام المصري باستخدام تعبيرات مماثلة مثل القطط السمان، والحرس القديم.
أما نظرية الغرس فقد اقترحها "جورج جربنر" George Gerbner أستاذ الاتصال في جامعة بنسلفانيا الأمريكية، وتدور حول تأثير التليفزيون على المشاهدين، وخاصة الأطفال، بمعنى أن كثرة مشاهدة التليفزيون تجعل الفرد ينظر للوقائع الاجتماعية في ضوء مضمون ما شاهده. وقد قام جاربنر وفريقه بدراسات تتبعية واسعة وممتدة خلال السبعينات والثمانينات درس فيها آثار ما يقدمه التليفزيون من عنف على المشاهدين، وخاصة الأطفال، وكيف تؤثر وسائل ألإعلام في إدراك المتلقين للعالم الحقيقي.
والفرضية الأساسية التي قادت بحوث جاربنر هي أن تكرار التعرض للصور والأفكار التي يقدمها التليفزيون يؤثر في إدراكنا لهذه الموضوعات، وتوصلت البحوث الأكثر حداثة على يد جاربنر إلى نتائج مهمة منها أن العنف الذي يقدم في التليفزيون يزيد من مخاوف الناس وتوقعاتهم لوقوع جرائم أو تحرشات من الجيران، الأمر الذي يعني أن مشاهدة هذه البرامج يؤثر في القيم، وفي المعاني التي لدى الناس عن العالم الحقيقي.
وانتشرت البحوث في هذا المجال وجاء أغلبها من مؤسسات ومراكز أكاديمية لا تجارية، ومع ذلك فإن مؤسسات القطاع التجاري أحيانًا ما تنظر بعين الاعتبار بنتائج هذه البحوث، وقد قام باحثان بإحصاء الدراسات التي اهتمت بنظرية الغرس، وتوصلا إلى أنها بلغت 48 بحثًا، قام الباحثان بتحليلها وانتهيا إلى وجود علاقة تربط بين المشاهدة والقيم، بغض النظر عن نوع الحقيقة الاجتماعية المقدمة من خلال برامج التليفزيون.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدراسات في هذا المجال قد أجريت عبر أكثر من مجتمع يهدف مقارنة العلاقة بين التليفزيون والعنف في مجتمعات مختلفة ثقافيًا واجتماعيًا. (فقد أجريت إحدى الدراسات على عينات من الشباب في الولايات المتحدة وفنلندا واستراليا وإسرائيل وبولندا، واتضح وجود تماثل في النتائج بين المجتمعين الأمريكي والبولندي، واختلافات بين بقية مجتمعات الدراسة).
والواقع أن النظرية التفاعلية الرمزية قد أسهمت إسهامًا بالغًا في تطور دراسات الإعلام والاتصال وخاصة القضايا المرتبطة بتأثير وسائل الإعلام في إدراك الأفراد للحقائق الاجتماعية، حيث كشفت أن وسائل الإعلام قد تقدم للجمهور واقعًا مغايرًا تمامًا لما هو كائن بالفعل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:
(1) إبراهيم العيسوي، المادية الجدلية، المجلة الاجتماعية القومية، المجلد 22، العدد الأول، يناير 1989.
(2) أحمد زايد، علم الاجتماع بين الاتجاهات الكلاسيكية والنقدية، دار المعارف، القاهرة، 1984.
(3) جيهان رشتي، الأسس العلمية لنظريات الإعلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1978.
(4) سامية محمد جابر، الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1982.
(5) سمير نعيم أحمد، النظرية في علم الاجتماع: دراسة نقدية، دار المعارف، القاهرة، 1979.
(6) عاطف غيث (محرر ومراجع)، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990.
(7) عبدالباسط عبدالمعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، سلسلة عالم المعرفة، العدد 44، الكويت، أغسطس 1981.
(8) غريب محمد سيد أحمد، علم اجتماع الاتصال والإعلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996.
(9) فاطمة القليني ومحمد شومان، الاتصال الجماهيري: اتجاهات نظرية ومنهجية، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004.
(10) محمد عارف، المجتمع بنظرة وظيفية: الكتاب الأول، الوظيفية: ملامحها العامة وأبعادها التاريخية وصورها المعاصرة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1981.
11 - Fairchild, Henry, Dictionary of Sociology, Vision press Limited,
London, 1952.
12 - Michelle, Telarence, People on organization, Mc-grow Hill, N. Y.,
1982.
13 - Turner, Jonathan, The structure of sociological theory, The Dorsy
press, George Town, 1982.
14 - Zanden, James, The Social experience, Mc-grow Hill, N. Y., 1990.

حسني إبراهيم عبد العظيم
حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو مميز
عضو مميز

ذكر عدد الرسائل : 14
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 06/07/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى