منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا
منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العولمة والأنظمة التعليمية

اذهب الى الأسفل

العولمة والأنظمة التعليمية Empty العولمة والأنظمة التعليمية

مُساهمة من طرف لمياء الثلاثاء فبراير 26, 2008 10:25 am



بداية ينبغي دحض الأدلة التي يوردها البعض لتبرير نوع من "العولمة المتوحشة"، التي تعني الزحف المتواصل لقيم الغرب ولرأياه وحيدة الجانب، ومحاولة فرض صورة واحدة أو تأسيس هوية موحدة للعالم؛ بما يتضمن ذلك من مسلسل النهايات: نهاية التاريخ، نهاية الدولة، نهاية المدرسة والتربية الوطنية. فحينما يتعلق الأمر مثلا بالثقافة نجد أنه لا يمكن أن نتحدث عن "ثقافة نموذجية"، ينبغي لجميع الثقافات التي لا تنتمي للمركزية الأوروبية أو الأمريكية أن تذوب فيها. إن الثقافة سوف تبقى قلعة حصينة باعتبارها تعبيرا عن الاختلاف وعن الخصوصية الذاتية. ورغم اتجاه العولمة نحو تأسيس آليات "الاستيعاب الثقافي"، فإن هذا المجال سوف يبقى مجالا مفتوحا للتلاقح والتثاقف. إن اكتساح العولمة لمختلف الميادين والحقول لا يقابل دائما بسلبية مطلقة؛ فقد كانت وظائف المؤسسة التربوية والتعليمية منذ القديم لا تنحصر في تزويد الأفراد بالمعرفة اللازمة للتكيف مع متغيرات العصر، بل تسعى إلى تكوين شخصيته والمحافظة على هويته الثقافية، وبذلك كان التعليم رافدا مهما من روافد بناء الثقافة الوطنية. غير أن الأنظمة التربوية التقليدية لا يمكنها أن تستمر في تقديم إجابات قديمة لتحديات جديدة، وفي إعادة إنتاج القيم والنماذج المحلية في عصر قرية المعلومات الكونية. إن الأمر يتطلب القيام بمراجعة جذرية لبنيات تلك المؤسسات ووظائفها، فلقد كان هناك في الماضي ترجيح للأبعاد التربوية على حساب الأبعاد التعليمية (التحديثية) في تلك المؤسسات. في حين أن الظرفية الراهنة تتطلب رسم إطار يسمح بالتفاعل والتلاقح الإيجابي بين الأبعاد التحديثية والتقليدية في النظام التربوي، خصوصا وأن التنشئة التربوية القادرة على الاستمرارية الآن هي التي تستطيع تجديد مصادر عطائها، وضمان تفتحها المستمر، دون أن يؤدي ذلك إلى محو مقومات الهوية الثقافية. فبعيدا عن كل "ممانعة ثقافية" ينبغي الآن على المؤسسة التربوية أن تعمل جاهدة من أجل تهييئ الأجيال الجديدة لتقبل المتغيرات والمستجدات في عالم اليوم؛ وأن تدعم أدوارها وبالتالي في نشر قيم الحداثة، دون التفريط في وظيفتها التقليدية، المتمثلة في خلق مناعة ذاتية لدى الأفراد ضد الذوبان في "العولمة المتوحشة".

إن للعولمة استراتيجية شاملة تعتبر الوسائط التربوية أحد أركانها الأساسية، وبواسطتها يحصل اختراق العولمة للأنظمة التعليمية التربوية؛ وذلك من خلال تنامي الثورة الإعلامية والاتصالية، وتصاعد التقانة الحديثة في هذا المجال؛ وتفوق وسائل الاتصال متعدد الوسائط Multimedia على الوسائل التعليمية التقليدية، التي لازالت تعتمد في المدارس والجامعات في بعض الدول. ونتيجة لذلك أصبح حقل التعليم تقليديا ومنفرا أمام جاذبية الوسائط المتعددة، التي تستخدم أكثر من قناة واحدة في نقل الرسائل، مما يمكن من تحقيق التواصل النافذ نتيجة تعزيز وسائل الاتصال لبعضها البعض.

وغير خاف أن وسائل الاتصال السمعي-البصري -المشار إليها آنفا- والتقانة الحديثة في الإعلام والمعلوميات، ليست مجرد تقانة بريئة، بل إنها تحمل رسالة هي عبارة عن قيم ورموز العولمة. إنها تسعى لقولبة أذواق ومشاعر وفكر وسلوك الأفراد، وفق أهداف العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية. إن هناك تضافرا لعدة وسائل براقة وجذابة لتمارس تأثيرها التربوي على مستوى الشخصية القاعدية للأفراد. وآنذاك إذن تتمكن العولمة من تكييف مشاعر وأذواق ومدركات الأفراد، وفق النموذج المعولم؛ وذلك تكريسا لاستهلاك البضائع والقيم والمعارف الإشهارية(1)

تأسيسا على ما تقدم يمكن استنتاج أن عملية اختراق العوملة للتعليم كحقل تربوي هي ظاهرة أكيدة. وذلك نتيجة فعل مزدوج: فمن جهة هناك تصاعد هيمنة العولمة على الحقل التربوي (تشكيل الأذواق والاتجاهات والقيم والسلوكيات)؛ ومن جهة أخرى هناك استعمال وسائل تقانية جبارة لإثارة الإدراك وتنميط الذوق والفكر.

إن تراجع الأنظمة التربوية التعليمية هو دليل على عدم قدرتها على مسايرة التنافسية التي تغذيها العولمة. أما عن إعادة الاعتبار لتلك الأنظمة، فلن يتم إلا عبر إنجاز إصلاحات تمتاز بطابع الجرأة والتجديد، وذلك على مستويين:

مستوى الوسائل التعليمية، حيث يجب العمل على إدماج التقانة الحديثة في مجال الاتصال ضمن الأدوات والوسائل التعليمية، وذلك رغم كلفتها الباهضة.

مستوى المضامين حيث يجب العمل على إدماج قيم الحداثة ضمن المناهج التعليمية، وذلك بواسطة التفتح على المعرفة الحداثية والمضامين العصرية، واعتماد تصور جديد للعلاقة بين التقليد والحداثة في المناهج الدراسية. وذلك انطلاقا من تقييم شامل للقيم التي تنتجها الأنظمة التعليمية حاليا؛ وأيضا من خلال فحص مجمل تلك القيم لتبيان هل هي قيم تقليدية بالأساس؟ أم هي قيم يتعايش فيها التقليدي والحداثي في إطار من التوازن، دون أن تكون هناك هيمنة لأحدهما على الآخر؟ أم أن قيم الحداثة -التي تبثها الأنظمة التعليمية- تخفي بنية "تقليدية" عميقة توجه وتؤثر في السلوك والاتجاهات، وتعمل على تحييد البنية السطحية التي تبدو "حداثية".

لمياء
لمياء
اجتماعي
اجتماعي

انثى عدد الرسائل : 88
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 13/01/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى