منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا
منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي

اذهب الى الأسفل

مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي Empty مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي

مُساهمة من طرف نادر العساوي السبت يونيو 13, 2009 3:10 pm

مشروعية العلوم الإنسانية بين كانط ودلتاي
1. المناخ الفكري لحياة و فلسفة دلتاي
ولد فلهلم دلتاي Dilthey Wilhelm عام 1833 و توفي 1911. يعتبر من الأسلاف الأكثر نفوذا في فلسفة الحياة. و إذا كان اسم هذا الفيلسوف قد ارتبط ارتباطا وثيقا بالحركة التاريخية أو بفلسفة التاريخ، فإن فلسفته في الحقيقة هي فلسفة للفهم، و هي أيضا فلسفة للحضارة، و التاريخ هو أداة هذا الفهم من حيث أنه حياة يتضمن حياة. و من ثم فإن الموضوع الرئيسي الذي اهتم به دلتاي هو "الحياة"، و التاريخ و الفهم يدوران حول هذه الفكرة.
بعد وفاة هيجل بدأ الفلاسفة في التحول من الاهتمام بالميتافيزيقا التأملية و بناء الأنساق الفلسفية إلى الاتجاه نحو الرياضيات و العلوم الطبيعية, حيث حققت آنذاك تقدما عظيما، - كان ذلك نتيجة تأثير الفلسفة التجريبية الإنجليزية على الفلسفة العقلانية الأوربية، و قد كانت فلسفة لوك هي التي أحدثت لأول مرة ذلك الانقسام-. لأجل ذلك استعار بعضهم فلسفة مل, و استعار بعضهم الآخر وضعية كونت, و عاد آخرون إلى كانط، وسمي هؤلاء "بالكانطيين الجدد". فانقسموا إلى مدرستين: "مدرسة ماربورغ"، و "مدرسة بادن". اهتم أنصار المدرسة الأولى بالعلم والمعرفة(المدرسة العلمية)، من أهم أنصارها، Natorp ,Cohen ,Lange. أما أنصار المدرسة الثانية، فقد اهتموا بالقيم وبالدراسات التاريخية (مدرسة القيم)، من أهم أنصارها، K. Jaspers. Rickert .Windelband أخذت هذه المدرسة القيم، على أنها مطلقة، كلية وقبلية وليس لها أساس واقعي، أي أنها تدرس القيم في نقائها دون الإشارة إلى زمان ومكان، وفي هذا تعارض مع الدراسات التاريخية التي تهتم بدراسة القيم دراسة تجريبية. وقد اهتم دلتاي بمواجهة هذه المدرسة، لأن أنصارها حاولوا تطبيق المناهج والمبادئ الكانطية على مجال الدراسات الإنسانية.
لقد كان عصر دلتاي من أكثر القرون تكوينا للحياة العقلية الألمانية، فتقدم علمي من ناحية و اهتمام بالتاريخ من ناحية أخرى، و ظهور كتب كانط النقدية, وأعمال فيشته و شيلنج و هيجل و شلايرماخر و شوبنهاور. من ثم أصبح الشعور بالحياة مشكلة حقيقة واقعية و لم تعد المشكلات الميتافيزيقية ذات أهمية، و لعل نظرية العلم كانت أحد ردود الفعل على انهيار الفلسفات الميتافيزيقية. بعد أن نما الوعي بالتقدم الذي أحرزته العلوم الطبيعية، فقد ساعد علم الطبيعة الإنسان على تحقيق سيادته على العالم الذي يعيش فيه و إخضاعه لقواه. و بعد أن ظهرت النزعة الواقعية في الشعر و في الروايات. فكان من نتيجة ذلك أن فقدت المثالية فعاليتها. الشيء الذي ترتب عنه عدم الاعتقاد في ثبات المجتمع، و أصبح البناء الاجتماعي مهددا بالتقدم العلمي و بنتائج الثورة الصناعية، فسادت الروح التنافسية حياة الناس، و أضحت المشكلة آنذاك هي كيف نفسر الكون و كيف نتصور مكانتنا فيه على ضوء المعرفة العلمية، و بمعنى آخر كيف يمكن للحياة أن تستحق العيش في عالم العلم و الآلة.
لكن المشكلة عند دلتاي أخذت صورة مختلفة، بعد أن صرح بأن المشكلة الحيوية عنده هي مشكلة الفهم compréhension، أو معرفة العالم البشري (الحقيقة التاريخية). الأمر الذي جعل دلتاي يبدأ بالذات العارفة من وجهة نظر إبستمولوجية، بعد أن تساءل ما الذي يجعلها قادرة على الفهم.
افترض دلتاي أن الإنسان يعرف العالم بواسطة مشاعره و انطباعاته الحسية، و عن طريق التفكير، و الموضوع المعرفي الحقيقي هو الموجود الإنساني الكلي الذي لا يدرك موضوعات فحسب بل يعرفها و يقيمها عن طريق مفاهيم أيضا.
وصف دلتاي منهجه بأنه "فلسفة الحياة"، و يؤكد على أن موضوع الحياة هو موضوعه الأساسي إذ يقول:
«عندما نواجه في البداية هذه الحقيقة الضخمة التي لا تكون نقطة بدايتنا بالنسبة للدراسات الإنسانية فحسب، لكن أيضا بالنسبة للفلسفة، فإنه يجب علينا أن نكشف عن إحكامها العلني و يجب أن نفهم الحياة في حالتها الخام».
إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الحياة هي الواقعة الأساسية التي يجب أن تكون نقطة البداية الفلسفية.
تفكير دلتاي يرتكز على ثلاث موضوعات أساسية:
قبوله للنظرية القائلة بأن الفلسفة تنشأ من مشكلة الحياة اليومية.
قبوله بأن الفلسفة يجب أن ترتبط ارتباطا وثيقا بمعرفة الحياة.
إذا كان موضوع دلتاي الأساسي هو فلسفة الحياة فما المصادر التي اعتمدها في بناء هذا الموضوع؟
يقول هودجز:
«لم يجد دلتاي في ألمانيا العون الذي كان يبحث عنه فوجده في الوضعية الفرنسية و في الفلسفة التجريبية البريطانية» .
فما الذي وجده دلتاي في الفلسفة التجريبية و لم يجده في بلده ألمانيا.
لقد أحدثت الفلسفة التجريبية ثلاث تغيرات كبرى، أولها جاءت على يد بيكون حينما نادى بالأورغانون الجديد في العلم الطبيعي، و أعلن ثانيهما لوك حينما شكك في قدرة العقل البشري فانتقل من الاهتمام بالميتافيزيقا إلى الاهتمام بالمعرفة. و ثالث هذه التغيرات أحدثها هيوم من خلال بحثه في الطبيعة البشرية، و بعد أن أكد على أن كل معرفة يجب أن تعتمد على المعرفة السيكولوجية، و لم يقتصر ذلك على نظرية المعرفة فحسب، بل حتى نظريته الأخلاقية و السياسية فكان بذلك أخلاقيا وعالم اجتماع قبل أن يكون سيكولوجيا.
لقد تأثر دلتاي بالتجريبيين، إذ يرى من جهة أنه يجب أن تكون الفلسفة دراسة تجريبية للعقل، و من جهة أخرى يرى أنه يجب أن يكون علم النفس أساس أي علم في الدراسات الإنسانية -تأثير هيوم-، تماما كما تكون الرياضيات أساس أي عمل في العلم الطبيعي. إلا أن دلتاي يختلف عن هؤلاء من حيث أنهم:
«فسروا الخبرة و المعرفة من وقائع الإدراك فقط، و من ثم لم يعد هناك أي دم حقيقي يتدفق في وريد الذات العارفة... إنه فقط عصير مخفف بالماء للعقل فقط،إنها عملية خالصة للفكر».
لذلك أعلن دلتاي أن دراسته السيكولوجية للإنسان ككل قادته إلى «تفسير المعرفة و مفاهيمها عن طريق قوى الإنسان بوصفه موجودا يشعر و يتخيل».
من ثم فإن كل المكونات الأكثر أهمية بصورة و معرفة الوقائع يمكن تفسيرها عن طريق الطبيعة البشرية التي تكون فيها الإرادة و الشعور بمثابة نواح مختلفة للعملية الحقيقية للحياة.
لقد كان دلتاي كذلك على إلمام بالحركة التاريخية التي يقول عنها أنها مهدت السبيل لتحرير الوعي التاريخي من أسر الميتافيزيقا و من أسر العلم أيضا. إلا أنها كانت تفتقر إلى الأسس الفلسفية، لأن دراستها للظواهر التاريخية لم يكن مرتبط بتحليل وقائع الوعي.
إضافة إلى الحركة التاريخية، تعاطف دلتاي مع الحركة الرومانسية أيضا، خصوصا في ألمانيا مع شيلر و غوته، و أيضا مع هيجل و شلايرماخر، و تؤكد هذه الحركة على الجانب العاطفي لا الجانب العقلي من الطبيعة البشرية. فهذه الأخيرة مؤلفة في أعماقها من الغرائز و المشاعر. و بذلك ترى أن الفن ليس مسألة شكل و تركيب، بل مسألة غنى في العاطفة و الشعور. و قد أعطت الحركة الرومانسية لدلتاي معنى حيا لأعماق حياة العقل و حركته إلا أنها لم تحاول تطبيق هذا المعنى الحي بصورة كافية في إصلاح المجتمع.
كانت تلك بعض المصادر التي وجهت دلتاي في اهتمامه بفلسفة الحياة-إلى جانب مصادر أخرى سيتم الإشارة إليها لاحقا- لتكون بذلك الحياة عند دلتاي هي الحقيقة الوحيدة التي ينبغي فهمها. و العلوم التي تسمى "بالدراسات الإنسانية" و التي تشمل التاريخ و الاقتصاد و القانون و السياسة و الفن و الدين و الأدب... تشير إلى هذه الحقيقة:
«ما هو معروف لنا من الداخل، و هي ما لا يمكن أن نذهب و راءه و نتجاوزه».
إنها حياة البشر بمنظماتهم الاجتماعية و منجزاتهم الحضارية.
يبدو أن مفهوم الحياة يناظر وجهة نظر هيجل عن الروح، حتى وإن كان دلتاي قد أعلن الابتعاد عن الميتافيزيقا الهيجلية، وأكد ربط الفلسفة بالواقع التجريبي المباشر لكل فرد. فإن مفهوم الحياة، مفهوم النشوء الأنطولوجي، إضافة إلى مفهوم الروح، هي جسور تمتد خلف فلسفة دلتاي.
avatar
نادر العساوي

ذكر عدد الرسائل : 9
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 21/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي Empty رد: مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي

مُساهمة من طرف نادر العساوي السبت يونيو 13, 2009 3:13 pm

2- مشكلة الذاتية والموضوعية: التغير والثبات بين كانط، هيجل، دلتاي
إذا كان كانط في "نقد العقل خالص" قد وضع الأسس الأولى للعلوم الطبيعية، فإن دلتاي في كتابه "نقد العقل التاريخي" حاول اكتشاف أساس علم المجتمع و التاريخ، - بالرغم من أن نقد العقل التاريخي ما هو إلا تتمة لنقد العقل الخالص-.
لقد بين كانط في نقد العقل الخالص أن الموضوعات تعطى لنا عن طريق الحس, من حيث أن قدرتنا على التفكير في موضوع الحس هي الفهم Entendement . و لا أفضلية لإحدى هاتين الخاصيتين عن الأخرى، فبدون الحساسية لا يمكن أن يعطى لنا الموضوع، و بدون الفهم لا يمكن التفكير في أي موضوع. و عن اتحادهما وحده تصدر المعرفة، و بالتالي فإن الوظيفة الموضوعية لمقولات الفهم، ليست سوى الانطباق على الموضوعات الحسية (يتم ذلك من خلال وحدة الشعور، الخيال، الخطاطة)، لأجل معرفة موضوعية، لكن أحكام الإدراك الحسي ليبست كلية و لا ضرورية، و لا تصدق على كل الذوات في كل الشروط.
هما يوحد الذهن بفعاليته، الشتات الحسي ليجعل منه تجربة ذات نسق كلي ضروري بفضل عناصر قبلية ترنسندنتالية (المقولات القبلية). هنا يرجع الفضل لكانط في إبراز المشكلة بكل تناقضاتها، حينما ذهب إلى أن الزمان و المكان شرطين للتجربة لهما أسبقية منطقية عنها.
إذن، بالنسبة لكانط، فالإنسان بحركة فكره هو الذي ينظم تجربته في أطر و صور، وهي صور باطنة في كل ذات، لذلك لها طابع لا شخصي. و لها قوة إلزام بالنسبة إلى كل ذات منفصلة، إلى كل ذات تجريبية.
بالرغم من إسهام كانط في تقديم أرضية الذاتية و الموضوعية، فإنه غادر هذه الأرضية مبكرا، ذلك أنه- على حد قول ماركيوز- لم يتجاوز القول بأن الوعي الجمعي، (الروح الموضوعي) هو وعي فردي قد تكرر آلاف المرات.
لا بدم من الوقوف عند هيجل لكي تتضح المسألة على نحو أساس مختلف عند دلتاي، حيث يرى هيجل أن ثقافة شعب معين ليست تجريدا يعبر عن تماثل يمكن اكتشافه داخل ذهن كل فرد باعتباره نموذجا سيكولوجيا ترنسندنتاليا لنشاط الحياة اليومية. بمعنى آخر فهو لا يرى في أشكال "الروح الموضوعية" تجريدات صورية باطنة في كل ذات، بل إن تلك الأشكال تتطور تاريخيا. أي أن النماذج التي يعرفها كانط أنها أشكال ترنسندنتالية لنشاط الذهن الفردي باعتبارها قبلية باطنة، هي في الحقيقة أشكال من الوعي الذاتي للإنسان الاجتماعي عند هيجل، أشكال متمثلة في ما هو خارجي، إنها "نماذج خارجية" لحركة الثقافة المستقلة عن وعيه الذاتي و إرادته.
بالنسبة لهيجل، بعد أن أصبح الحدس ترنسندنتاليا، آنذاك دخلت إلى الوعي الهوة التي تفصل بين العنصر الذاتي و العنصر الموضوعي، الذين كانا منفصلين في الحدس التجريبي، لأن المعرفة بقدر ما تصبح ترنسندنتالية، لا تقف عند وضع شروط المفهوم. فبواسطة الحدس يتم تجاوز كل تضاد، و يتم محو كل اختلاف بين بناء العالم بواسطة الذهن و بالنسبة إليه من جهة، و بين تنظيمه كوجود موضوعي من جهة ثانية. بذلك فإن المعرفة الترنسندنتالية عند هيجل وهما، و هو ما يجعل فلسفة كانط تقبع في فلسفة الفهم الخالصة، و في الذاتية الفارغة للتفكير المعقول.
رجوع هيجل إلى كانط كانت من أجل البحث عن الوحدة المطلقة "الأصلية"، أي الأساس الوحيد الذي يصدر عنه الاختلاف بين الذاتية و الموضوعية. بالنسبة للكانطية فإن هذه الوحدة تتطابق مع المطلب الترنسندنتالي لمسار نقد العقل الخالص، فإمكانات التجربة هو ما يمنح لمعارفنا واقعية موضوعية على تحو قبلي، و هكذا تقوم التجربة على الوحدة التركيبية للظواهر. و دون هذا التركيب لن تكون هناك معرفة. هنا سيصل كانط إلى النقطة الحاسمة من الإشكالية، فكل موضوع معطى يتكون من وحدة تضم كثرة متغيرة. و الوحدة تقع عند كانط داخل رابطة من صنع كل ذات، أي أنها وحدة غير معطاة في الأشياء بل ما تقوم به تلقائية ملكة التمثل(الفهم)، و الفهم بصفة عامة هو التركيب.
في حين أن مشكلة التركيب عند هيجل قد نظر إليها بكونها متعارضة في الحقيقة مع المطلب الترنسندنتالي. لأن كل رابطة ترجع إلى وحدة مفترضة للكثرة المتغايرة المترابطة ذاتها. ينبغي فهم الرابطة عند هيجل كوحدة تتحقق فيها، على اعتبار أن تمثل الوحدة لا يولد من الرابطة، بل كنتيجة لهذه الرابطة، يضاف إلى تمثل المتغاير فهو الذي يجعل مفهوم الرابطة ممكنا منذ البدء.
إذن فالتركيب عند هيجل يفهم داخل الحركة، يعني ذلك أن الأنماط المتعددة للوجود ينبغي النظر إليها كأنماط متنوعة من قابلية الحركة. و من الأمور الرئيسية التي وصل إليها هيجل بعد مناقشته لكانط، وجود الوعي بالذات وهو وجود تركيبي في ذاته بوصفه إمكانا لكل موضوعية، و ليس الوجود عند هيجل هو الأنا أفكر الخالص، بل عملية نشوء عيني و تركيبي ينتمي إليه عالم المتغير و الجسم و المادة وكل شيء. بمعنى آخر، فإن هيجل قد أدخل على الوحدة الترنسندنتالية، الحياة في كليتها. و بذلك يكون هيجل قد أقر إمكانية تنمية تاريخية الحياة في وقت واحد مع تنمية تاريخية الموجود (العالم).
حافظ دلتاي على نفس التوجه الهيجلي –هذا لا يعني أنه ليس بينهما اختلاف-, حول مفهوم الحركة و المغايرة و تاريخية الحياة، مقابل رفضه للذات الترنسندنتالية عند كانط، فليس هناك تبرير للحديث عن الذات العارفة بوصفها مميزة عن الذات التي نعرفها. بمعنى آخر إذا كانت الذات عند كانط ثابتة(أنا أحكم) و الموضوع متغير، فإن الذات عند دلتاي متغيرة و الموضوع متغير، فلا وجود لما هو قبلي, و الفكر يجد النظام في التجربة. إضافة إلى أن البناءات لا توجد بداخل التجربة الحسية، لكن في الحية الداخلية للعقل. وبالرغم من أنه لا يمكن صياغتها صياغة واضحة لأنها لا تمثل أي بناءات منطقية، فإنها تمثل نسق الحياة ذاتها.
لذلك يرفض دلتاي التجريد القبلي عند كانط، لأنه جاف بدون فائدة وميت، لكن الشروط الحقيقية للفكر إنما تستخلص من صيرورة الحياة التاريخية، من تطورها. و بالتالي فإن الحقيقة الموضوعية للموضوعات الخارجية و للعقول الأخرى لا تتمثل في مطابقتها لقوانين نسق عقلي، بل تتمثل في علاقة حيوية تتفاعل فيها الذوات مع الفعل.
إذن فالمعرفة تصبح مشروطة باستمرار مع دلتاي بفهم السياق الداخلي (العقل، الغريزة، الحياة العاطفية، أفعال الإرادة...) فهذا السياق يشكل أساس عملية المعرفة. و ينتج عن ذلك أن نظرية المعرفة تتطلب لأساسها فهما لهذا السياق الداخلي، أي أنها في حاجة إلى "علم نفس جديد".
avatar
نادر العساوي

ذكر عدد الرسائل : 9
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 21/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي Empty رد: مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي

مُساهمة من طرف نادر العساوي السبت يونيو 13, 2009 3:16 pm

3_كانط و دلتاي بين الحكم المحدد/التفسير و الحكم التأملي/الفهم
يصل كانط في نقد العقل الخالص إلى نتيجتين أساسيتين: الظاهرة و النومين. عالم الظواهر، عالم مفتوح. و عالم النومين، عالم مغلق تمام الانغلاق، فالمشكل مع كانط لا يكمن في الظاهرة على اعتبار أن الموضوع معطى يكفي للمقولات القبلية أن تنطبق عليه، و بالتالي الوصول إلى معرفة موضوعية. لكن المشكل يكمن في "الشيء في ذاته". لقد أعلن كانط أنه بصدد قلب الميتافيزيقا القطعية، و التي تدعي معرفة الأشياء في ذاتها، و الحصول على يقين نظري من موضوعات مثل الحرية الإنسانية و وجود الله و وجود العام الخارجي و خلود النفس. و هي جميعها موضوعات تتخطى التجربة، إذن ميتافيزيقا كهذه مستحيلة أن تكون علم نظري، لأنه يوجد في العقل الإنساني مبادئ تتجاوز التجربة، كمبادئ الجوهرية و العلية. لكن هذه المبادئ فارغة من أي محتوى و لكي يكون لها معنى فإنها تحتاج إلى موضوعات واقعية. و بالتالي فإن هذه الموضوعات هي ما يمكن للإنسان "أن يفكر فيها فقط" دون الوصول إلى نتائج يقينية، في حين أن الظاهرة هي "ما يمكن معرفته"، لأن موضوعاتها لا تتعالى عن التجربة.
لا يمكن أن يكون هناك تصور إيجابي للشيء في ذاته، لأن الشيء في الفراغ يمكن إثباته و يمكن نفيه، مما يؤدي إلى الخلط بين العلة و المعلول.
يحاول كانط تجاوز ميتافيزيقا القطعية لإنشاء ميتافيزيقا الحرية. فكيف تمكن كانط من تجاوز الموقف السلبي لنقد العقل الخالص إلى الموقف الإيجابي لنقد العقل العملي؟
لأجل أن تكون الميتافيزيقا مشروعة سيعمل كانط على ربطها بالأخلاق، من ثم ستتحول الميتافيزيقا إلى علم ممكن، إلا أنها ليست علم نظري كباقي العلوم، بل كعلم عملي. فصل كانط بين الظاهرة و النومين، و هو الفصل الذي بدأه في نقد العقل الخالص و استكمله في نقد العقل العملي (التحقق الخارجي للعقل) سمح له أن يميز بين الحكم المحدد Le Jugement déterminant و الحكم التأملي/ الانعكاسيLe Jugement réflexive . من هذا المنطلق سيبدأ دلتاي، إذ سيعمل على تقسيم العلوم إلى علوم طبيعية و علوم إنسانية(علوم الروح)، بين التفسير و الفهم. لأجل ذلك فإنه يقول:
«إننا نفسر الطبيعة و نفهم الحياة النفسية».
معنى ذلك، أنه إذا كانت العلوم الطبيعية (الظاهرة) تعتمد على التفسير، فإن العلوم الإنسانية (النومين) تجد بداهتها في تعبيرات الروح. المشكلة هي أن للعلوم الطبيعية أساس دقيق و موضوعي، بينما العلوم الإنسانية تفتقر إلى هذا الأساس باعتباره أفق غامض. فالمعرفة في هذه العلوم تتطلب تحليل صارم، بالإضافة إلى التمييز بين الطابع الحسي للوجود و الطابع المجرد. فكيف يميز دلتاي بين التفسير و الفهم؟
يفرق دلتاي بين نوعين من العلوم: العلم التفسيري و العلم الوصفي، الأول يدخل في مجال الظواهر من خلال وجود سلسلة علية و عن طريق عدد محدود من عناصر محددة بصورة غير ملتبسة. إذ يتعلق الأمر بإسقاط قبلي لمجموعة من القوانين (علم موجود سلفا) لأن الظاهرة في هذه الحالة ظاهرة جامدة و كمثال لذلك: المنهج الذي تستخدمه الفيزياء الحديثة (الفرض).
أما العلم الثاني فهو العلم الذي يجد قوانينه عن طريق تحليل تجريبي لما هو معطى داخل التجربة, و التجربة يمكن أن تتغير بتغير الظروف و الشروط الزمكانية لأن الأمر لا يتعلق بإسقاط قبلي لقواعد موجدة سلفا.
بناء على ذلك يفرق دلتاي بين "علم النفس التفسيري" و "علم النفس الوصفي"، الأول يحاول تفسير الحياة العقلية بنفس الطريقة التي تفسر بها الفيزياء و الكيمياء العالم الفيزيائي. إلا أن هذا الهدف حسب دلتاي يستحيل بلوغه. و لأجل ذلك وجب الاستعانة بعلم النفس الوصفي.
استمد دلتاي علم النفس الوصفي من برينطانو Brentano-إذ ظهر في عصر هذا الأخير اتجاهات سيكولوجية متعددة, فرأى عدم كفايتها و انتهى إلى توحيد هذه الأنساق في اتجاه واحد سماه علم النفس الوصفي، و في هذا العلم يميز بين الظواهر العقلية (غائية) و الظواهر الطبيعية (تفتقر إلى الإشارية)- و علم النفس الوصفي عند دلتاي يدرس الوقائع العقلية من خلال وصفها كما هي في التجربة المعاشة، ثم تحليلها و توضيحها ( البحث في الارتباط الداخلي للأجزاء). إن علم النفس الوصفي يكشف عن الوحدة الحقيقة للحياة العقلية، وهي رد فعل كلي للذات تجاه موقف يواجهها. و يتضمن رد الفعل ثلاثة عناصر متتالية تؤلف أساس نظام الحياة العقلية و هي الإدراك، الإحساس (الشعور) ثم النزوع. أي إدراك الشيء (فعل، سلوك، عمل..) ثم الإحساس بهذا الشيء و أخيرا النزوع نحو فعل شيء ما تجاه هذا الشعور.
هذه العناصر الثلاثة يطلق عليها دلتاي اسم "النسق البنائي للعقل" . هذا النسق لا يمكن اكتشافه بالاستدلال أو الافتراض و لكنه معطى ضمن التجربة الحية و له خصائص معينة أهمها: أنه غائي Téléologique ، أي أن له وظيفة Fonction ، و هذه الغاية تكمن في إشباع الغرائز، و لكي تؤمن بقاء النوع و الفرد. و بالتالي فإن النسق البنائي يدفع العقل نحو الزيادة في الكمال، و يزيد الحرية، و هو بذلك يؤلف قيمة الحياة. إذن الغائية مستبعدة من الطبيعة، و تقتصر على موضوعات الروح.
ترتبط بهذه الخاصية خاصية أخرى هي خاصية التطور. فإذا لم يكن للنسق البنائي اتجاه يهدف إلى تحقيقه ينتج عن ذلك عدم وجود تطور في الحياة.
لا مجال للتفسير العلي في الكشف عن الارتباطات الداخلية للأجزاء المشكلة للنسق البنائي، لأن القانون العلي تخضع له موضوعات الطبيعة فقط، فلا مجال للحديث عن: لماذا تسبب الأفكار المشاعر، ولماذا تسبب المشاعر أفعال الإرادة، لأن موضوعات علوم الروح تفهم و لا تفسر!
لقد اهتم برغسون قبل دلتاي بالفهم، إلا أن ما يميز دلتاي هو أنه لأول مرة يترك التساؤلات التأملية الترنسندنتالية جانبا و يدرس عملية الفهم دراسة علمية. فهو يؤكد على إيجاد أساس صلب للفهم في التجربة الحية. إن موضوع بحته هو الإنسان الواقعي بجسمه و لحمه و دمه و عقله، لذلك فإنه يؤكد على أنه حينما نكون بصدد الظواهر الإنسانية فإننا نفهم أكثر مما نعرف، و الفهم ينشأ من حياة الناس العمليةّ، من خلال علاقات التواصل، و التبادل، و لا يتم ذلك من خلال الحواس، بل من خلال اختبار داخلي للحياة العقلية. إذ يقول:
«أستطيع أن أفهم لماذا يمشي جون في الحجرة، و لكن لا أستطيع أن أفهم لماذا تنمو هذه الشجرة».
يعني دلتاي بذلك "إعادة اكتشاف الأنا في الأنت"، أي إسقاط لحياتنا الباطنية على الموضوعات حولنا. أو بمعنى آخر أن نشعر بانعكاس تجربة الآخر فينا، من خلال إعادة المعايشة. و هو تحليل ليس سيكولوجي بل ابستمولوجي.
الفهم عند دلتاي ليس مادة للتوغل في عقول الناس، بل هو عملية لإدراك تعبيرات عقولهم. فهو ليس منطقا يهدف إلى الكشف عن أشياء جديدة, بل إنه تحصيل حاصل. إننا لا نفهم سوى ما نعرفه من قبل، و كل الناس على علم بما معنى الغضب و الألم و الفرح و السعادة و التذكر. فكيف يمكن للإنسان أن يشعر بانعكاس تجربته في الآخر؟
كل شخص يملك بناء عقلي يشبه البناء العقلي للشخص الآخر، فما يوجد في تجربة الآخر بالقوة يوجد في بالفعل. فالفنان الذي يقوم برسم ما أو عمل ما، يعبر عن ذلك بأفكاره و تمثلاته و انفعالاته و التي هي موجودة فيه بالقوة، و الآخر يفهمها عن طريق إعادة تأليفها لأنها موجودة فيه بالفعل.
في الخمسة عشر سنة الأخيرة من حياة دلتاي سيدخل في نظريته الخاصة بالفهم، عنصرا آخر هو التعبيرات Expressions- موروثة عن الهيجلية-. يقول دلتاي:
«إننا نعي بصورة أساسية الحياة الداخلية للآخرين, فقط عن طريق تأثير إشاراتهم و أصواتهم و أفعالهم على حواسنا».
و بذلك يكون التعبير هو الوسيلة التي يمكن بها فهم الآخرين.
يميز دلتاي بين ثلاث أنواع من التعبيرات: التعبيرات الاصطلاحية، مطابقة لمعايير منطقية مستقلة عن الزمان و المكان، تفيد الوضوح و الدقة و يندرج تحتها الأحكام و البناءات الفكرية. ثم ثانيا تعبيرات الأفعال الإنسانية، حيث كل فعل من الأفعال لا يعبر عن قصد معين، بقدر ما يعبر عن غرض- و هذا ما يجعل الحياة غائية- و الغرض هنا يقرئ في الفعل. ثم أخيرا التعبيرات العاطفية، و هذا النوع من التعبيرات ليس اصطلاحيا لكنه طبيعي في الإنسان, فهو مرتبط بالكائن الحي و بإنتاجه للفهم.
فهم هذه التعبيرات يستند إلى حقيقتين: الأولى ما يسميه "العقل الموضوعي"، لكن دلتاي لا يتحدث عن العقل الموضوعي بنفس الطريقة التي نجدها عند هيجل. فهيجل جرد الفرد من واقعيته لأجل الكل، و ذلك حينما يتحدث بصدد فلسفة التاريخ، عن تاريخ الفلسفة التي هي بمثابة كرة الثلج تتدحرج لتستدمج معها كل فتات الثلج. فما يهمه هو الكرة و ليس أجزاءها. في حين أن دلتاي يقصد بالعقل الموضوعي، "النموذج الثقافي"- بمفهومه الأنثربولوجي- الذي يضم العادات و التقاليد و الدين و الفن و الفلسفة و العلم... أي أنه ينطلق من الحقيقة الواقعية للحياة. إذن فالعقل الموضوعي لا يمكن فهمه بالعقل، بل بالارتياد إلى الارتباطات الجزئية البنائية الموجودة في الأفراد داخل المجتمعات.
الحقيقة الثانية مفادها أن كل تعبير من تعبيرا الحياة ليس مستقلا عنها بل إنه, مرتبط بالحياة الاجتماعية للأفراد.
و يمكن فهم طرق هذه التعبيرات من خلال تمييز دلتاي بين "الصور الأولية للفهم" و "الصور العليا". يقصد بالصور الأولية تفسير تعبير مفرد من تعبيرات الحياة. أي تفسير واقعة عقلية دون ربطها بالحياة الكلية للذات. إذ يقول:
«عن طريق الفهم الأولي لا نرتد إلى السياق الكلي للحياة».
ففي هذا الفهم نستدل على العلاقة الموجودة بين التعبير و ما يعبر عنه. أما بالنسبة للصور العليا فهي تلك الصور التي لا نأخذ فيها تعبيرا واحدا من التعبيرات، بل مجموعة من التعبيرات. أي أننا نرتد إلى السياق الكلي للحياة. و الانتقال من الصور الأولية إلى الصور العليا ممكن، لأنه قد تكون هناك تعبيرات لكنها تتناقض مع المضمون العقلي، و هنا يجب النظر إلى تعبيرات أخرى، أي السياق الكلي للحياة.
يجب الإشارة إلى نقطة هامة في نظرية الفهم عند دلتاي، و هي أن هناك علاقة وثيقة بين الفهم و التعاطف. إذ انه يقول:
«إننا لا نعرف في شخص آخر, شعورا لم نعايشه نحن».
إذن فالفهم غير ممكن لولا المشاركة الوجدانية، مشاركة الشخص في تجربته سواء كان هذا الشخص شخصية خيالية أم واقعية أم مسرحية أم روائية.
الهدف النهائي للهيرمينوتيك سواء عند دلتاي أو شلايرماخر هو فهم المؤلف أكثر مما يفهم نفسه. و هذا الفهم يتم من خلال التكهن Divination، فمن خلاله ينفذ المفسر الجيد إلى قلب عمل الفنان أو الكاتب ليرى أشياء لم يكن يعرفها المؤلف نفسه. و ما ينطبق على العقل الإنساني ينطبق عل كافة ميادين الحياة: القطع الموسيقية و الأفعال و الكلام و السلوك و الكتابة... بذلك يكون الفهم عند دلتاي عملية لمعرفة ما هو داخلي انطلاقا من الإشارات المعطاة من الخارج، عبر المعاني. ولذلك فالتأويل يفرض بالضرورة معنى، و هو عند دلتاي فن فهم تعبيرات الحياة، باعتبارها تعبيرات ثابتة على الدوام.
avatar
نادر العساوي

ذكر عدد الرسائل : 9
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 21/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي Empty رد: مبادئ فلسفة الفهم وأسس العلوم الإنسانية عند دلتاي

مُساهمة من طرف نادر العساوي السبت يونيو 13, 2009 3:17 pm

4- المقولات التاريخية عند دلتاي: مقولات الحياة
أننا نقترب من الحياة- يقول دلتاي-:
« حياتنا و حياة الآخرين بالفهم, و يتم هذا عن طريق مقولات معينة تكون بعيدة عن معرفة الطبيعة من حيث هي كذلك».
فالمقولات عند دلتاي صور عامة للفهم- كما حددها كانط-، لكن لا يعني هذا أنه ليس بينهما اختلاف، فمقولات كانط تفيد في معرفة العالم الفيزيائي، في حين أن مقولات دلتاي تهدف إلى فهم المعنى في الحياة الإنسانية، و إذا كانت المقولات عند كانط ذات عدد محدود فإنها على عكس ذلك عند دلتاي، إذ يمكن أن تظهر مقولات جديدة أو مقولات قديمة قد يتغير معناها. هذا إضافة إلى أن المقولات عند كانط صور قبلية للفهم، بينما دلتاي يرى أنها لا تنطبق على الحياة بوصفها قبلية، و لكنها تكون متضمنة في جوهر الحياة و مستمدة منها. و يحصر دلتاي أهم أنواع المقولات في:
مقولة الزمان: أساس جميع المقولات الأخرى، فالحياة كلها زمانية، إذ بدون الماضي و المستقبل لا يكون للعالم معنى. و يتضح أن تحليل دلتاي للزمان يتفق مع تحليل برغسون، فكلاهما يتحدثان عن كيفية الزمان التي لا تقاس، و في مقابل تصور كانط للزمان بوصفه صورة قبلية، يجعل دلتاي من الزمان تجل حقيقي للحياة. فالزمان-كما يتناول ذلك في كتابه الرابع مدخل إلى العلوم الإنسانية- ليس صورة خيالية مثالية. بل إنه الزمان الذي نعايشه و نختبره بوصفه تعاقبا. فكل شيء يوجد بالنسبة لنا- يقول دلتاي-:
« يوجد فقط بوصفه معطى في الحاضر، و حتى عندما تكون التجربة ماضيا فإنها توجد فقط بالنسبة لنا بوصفها معطاة في تجربة حاضرة»
أي أن سلسلة الزمان، الماضي و المستقبل توجد بالنسبة لنا في تجربتنا الحاضرة. يقول دلتاي: «إن سفينة حياتنا تحمل على نهر متدفق و يكون الحاضر باستمرار أينما نعيش و نعاني و نتذكر». فإذا تذكرت ألما شعرت به بالأمس، فإن تذكري للتجربة يكون حاضرا بينما ينتمي الألم إلى الأمس، و على ذلك فإن تجربة الزمان في أبعادها هي ما يحدد مضمون الحياة.
مقولة التطور: موضوعات المعرفة العلمية قابلة للتغيير مثلها في ذلك مثل الحياة الواعية، و لكن في العالم الإنساني فقط يتضمن الحاضر أفكار الماضي بالذاكرة و أفكار المستقبل بالخيال، و من ثمة فإن الحاضر مليء بالماضي و يحمل المستقبل بداخله.
مقولة الداخلي و الخارجي: ترجع أهمية هذه المقولة إلى إمكانية معرفة الحالة الداخلية انطلاقا من التعبيرات الخارجية- استلهم دلتاي الفلسفة التعبيرية من هيجل "كل ما هو خارجي يعبر عن ما هو داخلي"- عن طريق اتفاق مصطنع أو اتفاق طبيعي أو عن طريق علاقة منظمة بين التعبير و ما يعبر عنه.
مقولة المعنى: يقر دلتاي بعدم وجود معنى ثابت للحياة, بل هناك إمكانيات لا متناهية للتعبير non détermination في المعنى. و المعنى لا يخرج إلا من الحياة ذاتها. فما المعنى عند دلتاي؟
المعنى عنده هو تلك المقولة التي تشير إلى علاقة الأجزاء بالكل. فكل ما يهم دلتاي هو التأكيد على أن معنى كل تعبير يجب أن يفهم عن طريق الإشارة إلى الكل متضمنا الماضي من حيث أننا نتذكره و المستقبل من حيث أننا نتنبأ به. و أبسط حالة يظهر فيها المعنى عند دلتاي هي فهم جملة ما، فكل كلمة من الكلمات لها معنى، و ربط معنى هذه الكلمات هو ما يعطي للجملة معنى، وذلك من خلال تفاعل الأجزاء بالكل. فالتجربة وحدة مكونة من أجزاء يربطها معنى عام، و أجزاء الحياة تكتسب معناها من حيث أن كل جزء يوضح الجزء الآخر و يكون شرطا بداخل الكل. إن الحياة لا تعني شيء آخر سوى حياتها، إنها أشبه بلحن –يقول دلتاي-:
«إيقاعاته ليست تعبيرا عن حقائق مختفية بالداخل, و كما أن إيقاعات اللحن لا تعبر عن شيء سوى اللحن فكذلك الحياة لا تعبر عن شيء سوى نفسها».
avatar
نادر العساوي

ذكر عدد الرسائل : 9
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 21/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى