دور العلم العربي في تكوين العلم الحديث
3 مشترك
منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا :: منتدى الفلسفة و الفكر الفلسفي :: الفلسفة الحديثة
صفحة 1 من اصل 1
دور العلم العربي في تكوين العلم الحديث
بدأ دور العرب في تكوين التفكير العلمي في أوربا, في علوم الطب وعلوم المساعدات من مثل (الصيدلة) والكمياء والنبات – ثم في الطبيعة والفلك والرياضيات والفلسفة والآداب . إلا أننا سنقف وبشكل موجز على بعض اللقطات العلمية من تاريخ الطب عند العرب والتي أسهمت في بناء الطب الأوربي الى جانب الإنجازات الفلكية العربية. فقد شارك العرب في تطور الطب العالمي وأسهموا في العمل على إنضاجه وتركوا بصماتهم على طريق تقدمه وإزدهاره, ومن دلالات هذه المشاركة الإيجابية ما وفقوا إليه من كشوف علمية طبية وماحققوه له من شرائط "العلمية" بدراستهم التجريبية, وما أفاده الأوربيون الذين نهلوا من ثمراته, ومن هذه القوانين العلمية أن العرب كانوا أول من اهتدى الى أن الأوبئة تنشأ عن تعفن تنتقل عدواه عن طريق الهواء والمخالطة, وسموا الأمراض المعدية بالسارية, وكانوا أول من فطن إلى تفتيت الحصانة في المثانة، ومن أوائل من استخدموا المخدر, واخترعوا الإسفنجة المخدرة وأول من نبه وكشف البول السكري والحصبة ووصفوا صب الماء البارد لإيقاف النزيف ... وأمور أخرى. وكان هذا وغيره في الإسلام في وقت حرمت فيه الكنيسة في أوربا صناعة الطب, على أساس أن المرض عقاب من الله ليس من حق إنسان أن يصرفه عمن استحقه, بذلك تخلوا عن علاج الأمراض وعن استخدام الجراحة, الى أن أخدوا الموسوعات الطبية العربية بعد أن ترجمت كلها الى اللاتينية كان في مقدمتها كتاب " القانون " لأبن سينا و"الحاوي" للرازي, وهو أكبر من القانون وأوسع مادة ومضمونا وكان كذلك" الكتاب الملكي في الطب" لعلي بن عباس شائعا عند الأوربيين لستة قرون من الزمان, كما كان خلف ابن قاسم الزهراوي معروفا عند الأوربيين من خلال كتابه " التصرف لمن عجز عن التأليف" بأجزائه الثلاثة. وقد ترجم إلى اللاتينية وطبع عشرات المرات في أوربا, وكان مرجعا في جامعات سالرنو ومونبيليه وغيرهما.
ورد هذا كله في مؤلفات العرب الطبية التي ترجمت إلى اللاتينية وألم بها الأوربيين, لأن تقدم العرب على النحو السالف الذكر كان في وقت نفرت فيه السلطات في أوربا من الطب. من ثم أخدت أوربا نقطة الإنطلاق فبدأت بتأسيس مدارس طبية عولت فيها كثيرا على الكتب العربية. وما يقال في الطب يقال في علوم أخرى سبق الإشارة اليها:
ففي علم الكمياء ينعقد الرأي اليوم عند الباحثين الغربيين على أن العرب هم مؤسسوا الكمياء علما تجريبيا شأنه شأن غيره من العلوم الطبيعية. لأنهم خلصوا دراستهم من الغموض والرمزية – والتي كانت لدى علماء الإسكندرية بوجه خاص - واصطنعوا فيها منهجا استقرائيا سليما يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية وقد كان من رواد الكمياء جابر بن حيان فهو الذي وصف ملح النشادر ونثرات الفضة وحامض الأزوت وعرف كثير من العمليات الكميائية كالتبخر والتقطير والترشيح... - كان اول من لاحظ أن نثرات الفضة تكون مع محلول الطعام راسبا أبيض وأن النحاس يكسب اللهب لونا أخضر- وبذلك فالكميات عنده تشتمل على الأعداد والأقدار من الأوزان والمكاييل, في حين أن الكيفيات هي الصفات التي لا تقاس –لا أوزان لها- وبذلك ترجمت كتبه الى اللاتينية وظلت المراجع المعتمدة في الكمياء الأوربية عدة قرون, شأنه في ذلك شأن أبو بكر الرازي فحسبه فضلا في الكمياء أنه رفض السحر والتنجيم وجاهر بأنه لا يسلم إلا بما تثبته التجربة من حقائق وقد تمت ترجمت كتابه "سر الأسرار" من طرف يوليوس روسكا. وبذلك عرف الأوربيون مصطلحات كميائية باسمها العربي كالقلويات (AlKali) وماء الفضة, وعرف كذلك الأوربيون ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس وبعض السموم, ومن كتبه التي ترجمت إلى اللاتينية هناك كتاب " السبعين" وكتاب "تركيب الكمياء", وظلت كتب جابر مراجع في الكيمياء عند الأوربيين إلى أخر القرن السابع عشر وكذلك كان الحال مع كتب الرازي وعنها تلقى الأوربيون تقسيم الكميائية إلى نباتية وحيوانية ومعدنية وعن طريق الكشوف العربية عرف الأوربيون استخدام البارود في أسلحة القتال.
وقد أخذت أوربا عن العرب فن الصيدلة على اعتبار أنهم أول من اشتغل بتحضير الأدوية الطبية وابتكروا الكثير من أنواعها, فهم أول من أنشأ صناعة العقاقيرعلما تجريبيا, وتمكنوا عن طريقه من ابتكار أدوية لم تكن معروفة من قبل, وركبوها من أصول نباتية وحيوانية ومعدنية,وبذلك كانوا سباقين إلى ابتداع الأقرباذين على الصورة التي وصلت إلينا. وكان للعرب الفضل في كشف الكثير من الأدوية, في مقدمتها الكافور والصندل والمسك وجوز الطب والقرفة وغيرها. كما ابتدعوا صنوفا من الشراب والكحول والمستحلب والخلاصة العطرية ونحوها, واستخدموا الكاويات في الجراحة وكان مما ساعدهم عليها تقدم الكمياء التجريبية وعلم النبات المستند إلى الملاحظة الحسية. فأخذت أوربا كلوريد الزئبق ونترات البوتاس وحامض الكريتك والكحول... واحتفظت أوربا أيضا بكتب ابن محمد الفافقي وابن البيطار في كتابه " الجامع في الأدوية المفردة" وقد ضم أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية, وبذلك كانت أوربا على صلة بتراث هؤلاء الأعلام وأفادت من ثمرات جهودهم العلمية الشيء الكثير.
وتماشيا مع تعاليم الدين وتقاليده, ولما كان من الصيادلة من يلتمس الربح الحرام بغش الأدوية, فقد نشأ نظام الحسبة الذي يفرض الرقابة على الغش. ومن هنا اقتضت المصلحة فرض امتحان ومنح ترخيص بمزاولة المهنة لكل من يريد الإشتغال بالصيدلة.
وتدين الرياضيات كذلك بشطر كبير من تقدمها إلى العرب بل إن بعض فروع الرياضيات اختراع عربي وقد ترجم العرب رسائل هندية في الفلك فهذبوها وسلموها إلى أوربا وعرفت باسم الأرقام العربية (arabic numerals), وقد استخدم الخوارزمي هذه الأرقام في جداوله الرياضية في كتابه "حساب الجبر والمقابلة" والذي تمت ترجمته إلى اللاتينية في النصف الأول من القرن الثاني عشر. ويدين علم الجبر كذلك إلى العرب، فهم أول أطلق عليه اسمه، ولا يزال الفرنجة يحتفظون حتى اليوم باسمه العربي, وفي كتاب الخوارزمي السالف الذكر توجد أصول هذا العلم ومقوماته كما توجد جداول حساب المثلثات، والخوارزمي، هو صاحب الحلول التحليلية والهندسية لمعادلات الدرجة الثانية, وقد عولت الجامعات الأوربية على كتاب الجبر والمقابلة حتى القرن السادس عشر وعنه عرفت كلمة الجبر في اللغات الأوربية.
ويدين علم حساب المثلثات (Trigonometry), بوجوده لرياضيي العرب, فهم أول من أقاموه علما مستقلا عن علم الفلك, بعد أن كان مجرد معلومات تخدم الفلك و أرصاده. وبفضل قوانين هذا العلم تقدمت بحوث الهندسة والمساحة والطبيعة. ولعل البيروني والبتاني ونصير الدين الطوسي أهم رواد هذا الفرع من الرياضيات. ومن دلالات الأصالة في التفكير الرياضى العربي أن العرب قد استعانوا في المسائل الهندسية بالجبر, كما استعانوا في المسائل الجبرية بالهندسة, فوفقوا بهذا إلى وضع أصول الهندسة التحليلية التي تعزى نشأتها في أوربا إلى ديكارت في القرن السابع عشر.
وفي الفلك , فقد سبق العرب الغربيين من الفلكيين إلى اختراع آلات من شأنها أن تمد في قدرة الحواس على الإدراك, واستخدموا مراصد كانت من أول المراصد في علم الفلك. كان المرصد الذي أنشأ في الإسكندرية في القرن الثالث هو الوحيد في العالم حتى أنشأ العرب المراصد في بغداد والقاهرة ودمشق وحواضر الأندلس ومراغة وسمرقند وغيرها. وكان من مقدمة رواد علم الفلك من العرب بنو موسى بن شاكر, وابو معشر البلخي, وثابت بن قرة, والبيروني, والفرقاني, الذي يسميه الفرنجة باسم alfaraganus, وغيرهم ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغة اللاتينية, وكانت مرجع الأوربيين حتى أواخر عصورنا الحديثة.
أما في مجال الفلسفة, فقد تدارك الفلاسفة الإسلاميون في شروحهم وتعليقاتهم نقص الفلسفات القديمة وقصورها. بل كان لهذه الفلسفة الإسلامية شخصيتها المستقلة التي ميزت موضوعاتها ومناهج بحثها. وقد كان إعلامها وهم في غمرة محاولتهم التوفيق بين الدين والفلسفة, أو الشريعة والحكمة, يواجهون مشكلات جديدة لم تفرض نفسها على أسلافهم. كان عليهم أن يواجهوا مشكلة الخلق والألوهية والبعث, والعلاقة بين الخالق والمخلوق, ومشكلة الوحي الإلهي, وموضوع النبوة, ومعضلة النفس وخلودها, ونحو ذلك مما لا نظير له في الفلسفات القديمة التي لم يقدر لها أن تعيش في إطار ديني كإطار الدين الإسلامي, وقد حرص فلاسفة الإسلام على أن يثبتوا أن الوحي والعقل حق, وأنهما يختلفان منهجا ويلتقيان في نهاية الأمر. ولكنها انفردت برغم هذا بالبحث في مشكلات كانت وليدة المجتمع الإسلامي. وفي ظل هذا التفكير الفلسفي الإسلامي, نشأ علم الكلام الذي يبحث في العقائد الإسلامية بالأدلة العقلية. وتأثر بالفلسفة, كذلك التصوف الإسلامي الذي ينزع إلى تذوق العقيدة عن طريق القلب. والذي اهتدى أصحابه منذ القرن التاسع إلى نظريات صوفية فلسفية في الوجود والمعرفة. بذلك انتقلت الفلسفة الإسلامية العربية - من كلام وتصوف - إلى أوربا. وقد تم ذلك من خلال طريقتين اثنتين: الاتصال الشخصي، والنقل والترجمة. ذلك أن مسيحي الشرق قد اتصلوا بالمسلمين على إثر فتوحات فارس والشام ومصر وشاركوهم نشاطهم الفكري والثقافي وقادوا الحركة العلمية الإسلامية الناشئة. بذلك ترجمت أوربا كتبا في الرياضة والفلك والطب والكيمياء والنبات والسحر والتنجيم وعرفت كبار علماء الإسلام من جابر بن حيان, والرازي, والخوارزمي, وابن الهيثم, وعلي بن رضوان, وغيرهم. وعرفت كذلك الكندي, والفارابي, حيث ترجمت كتابه "إحصاء العلوم" و"مقالة في العقل", وعنت أوربا بابن سينا وترجمت موسوعته الفلسفية "الشفاء" حيث كانت لهذا الكتاب خاصة في النسخة اللاتينية أثار عميقة في الحركة الفكرية في أوربا، كما تمت ترجمت كتاب "مقاصد الفلاسفة" و"تهافت الفلاسفة" للغزالي وقد ترجمت أوربا كتب ابن رشد وشروحاته على أرسطو صغيرة وكبيرة, وترجمت له "تهافت التهافت" واتجهت أوربا إلى دراسة أرسطو عن طريق العرب أولا. حتى كان ابن رشد وابن سينا عند الأوربيين هما الممثلان الحقيقيان للفلسفة الإسلامية، وقد كان لهما في أوربا تلاميذ وأتباع. وبذلك أثرا في الفلسفة المسيحية تاتيرا كبيرا.
إذا، إذا كان علم الطبيعة قد نشأ في أوربا على يد جاليليو و نيوتن, فإن هذا العلم قد استقام أمره في علم البصريات عند ابن الهيثم, وإذا كان علم الكمياء يعود في نشأته إلى لافوازيه فقد سبق الى ابتداعه جابر بن حيان, وإذا كانت نشأة علم التشريح وعلم الطب تدين بالفضل الى بارلا اسلوس وعلم الأحياء الى كلود برنار, فإن مقومات هذه العلوم قد عرفت عند العرب, عند ابي بكر الرازي, وابقراط العرب -ابن سينا-. واذا كان أكبر وأول رواد علم الفلك في الغرب هو كوبرنيكوس ثم كاليلو فان نشأة علم الفلك علما تجريبيا تدين لعلماء العرب من أمثال البيروني وابن يونس المصري.
بالإضافة إلى ذلك نشير إلى الخطوات العملاقة المتنوعة التي اتخذت في الفكر الفلكي العربي والتي أدت إلى تطور الفكر الفلكي الأوربي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فقد اكتشف العرب نظام للأجرام يعادل رياضيا ما توصل إليه كوبرنيكوس . أو بتعبير آخر استعمل كوبرنيكوس الزوج "الطوسي" كما فعل فلكيو مراغة، فالنماذج الطولية للأجرام عنده مستندة إلى نماذج ابن الشاطر. وكذلك النماذج القمرية مماثلة لمدرسة مراغة. هذا التكافؤ الكامل في النماذج أدى إلى أن يتساءل الباحثون "متى وأين" تعلم كوبيرنكوس نظرية مراغة .
لما كانت الثورة العلمية في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر تتركز على التطورات الفلكية، فإن الإنجاز الفلكي في الإسلام خلال هذه الفترة كان عميقا ومتقدما إلى حد ابعد عن نظيره في أوربا. فالصورة التي لدينا عن النشاط الفلكي الإسلامي خلال القرن الثاني والثالث عشر توحي بأن فلكيون العرب كانوا يعملون بجد لإصلاح النسق البطليموسي, والقائم على مركزية الأرض, وذلك من خلال عمليات معقدة متضمنة نماذج رياضية واستدلالات فلكية، ويشير الدكتور "صبره", مثلا إلى أن العالم الرياضي ابن الهيثم قد أدى دورا مهما في إثارة الفلكيين العرب كي يتجاوزوا بطليموس واليونان، وقد فعل ذلك في توضيح شكوكه حول النظرية الفلكية البطليموسية في تعليقه على 'المجسطي'. فكانت لابن الهيثم كما يقول الدكتور "صبره" الجرأة على وضع ترتيبات جديدة. كخطة علمية حقيقية. خطة بحث إسلامية في الفلك مشتملة على مجموعة من الإعتراضات العلمية، القائمة في النظرية المجسطية, وقد بلغ التمرد العقلي مداه مع البتروجي في محاولة منه لإصلاح النسق البطليموسي بتطوير فعلي للنماذج الرياضية الجديدة, وهو ما حاول الوصول إليه كذلك فلكيي "مدرسة مراغة" من أمثال: الأزدي, والطوسي, وقطب الدين الشيرازي, وابن الشاطر, وقد نجحوا في الوصول إلى نماذج لنظام غير بطليموسي تكررت بعد ذلك في كتاب كوبرنيكوس، أي أن التماثل كبير جدا بين نظام الأجرام في مدرسة مراغة "كما عدلها ابن الشاطر" وبين النماذج الكوبرنيكوسية . وهو تماثل قد يؤدي بنا إلى القول بأن كوبيرنيكوس قد يكون أحد أتباع مدرسة مراغة . وهو ما شكل حيرة كبيرة, وجدال مستفيض بين الباحثين في المائة والخمسين سنة الأخيرة, حول مسألة التأريخ للعلوم أو ما يعرف بمسألة "القطيعة الإبستيمولوجية", إذ هناك من يرى أن العلم العربي بالرغم من وصوله إلى الريادة والسبق في الكثير من النظريات العلمية، إلا أنه لم يصل إلى الخطوة أو الميل الأخير للثورة العلمية الحديثة. ففي ميدان الطب مثلا فقد لعب الطب دورا أساسيا في إحراز أو إنجاب الطب الحديث، إذ استمر حتى القرن الثالث عشر بعد أن انتقل إلى أوربا، وظهر نفس النمط في الطب حيث أنجز تقدم هائل، لكن مع ذلك فالطب العربي لم يصل إلى ثورة علمية، ولعل ذلك يقتضي الوقوف على تفسير وتناول مختلف الأنظمة الفلسفية والدينية والتشريعية في الحضارة العربية الإسلامية.
إذا كان – كما يقال – أن العلم الحديث يعود في نشأته إلى ديكارت أو قبله بقليل إلى كوبرنيكوس و غاليليو, فإن هذا يشكل قطيعة إبستيمولوجية مع كل العلم السابق له, والذي هيمن على البشرية قرون عدة , وإذا كان الأمر كذالك, فإن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى "ثورة العلم الحديث" في الغرب حتى القرنين الثاني والثالث عشر, وإذا كان الأمر كذالك, فهل العلم العربي ينتمي من الناحية الإبستمولوجية إلى الفضاء العلمي القروسطي , أم إلى الفضاء العلمي الحديث؟
لعلنا هنا سنجد إجابات و أبحاث مختلفة و متنوعة, تثبت و تنفي, بل تقصي أحيانا كما هو الشأن في كثير من الأبحاث الإستشراقية, إذ ترى في العلم العربي أنه مجرد وسيط فقط ( كتابات رينان,ميشيل سير,غرانجيه...), بل يضعون العلم العربي خارج التاريخ. وهو موقف مضاد للحقيقة بكل بساطة ,وذالك انطلاقا من كونه ينظر إلى العلم العربي بطريقة قوموية تبجيلية متعجرفة ومعادية لكل مرحلة علمية في القرون الوسطى, إلا أن ما يبقى ثابتا هو أن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى ثورة العلم الحديث. فرشدي راشد يرى أن ابن الهيثم يشكل قطيعة مع التراث اليوناني, في حين أنه يشكل استمرارية مع العلم الحديث, لأنه هو الذي قال بأن الشعاع البصري لا يخرج من العين إلى شيء, وإنما يأتي من الشيء وينعكس على جلدية العين. إذن هناك نموذج جديد في العقلانية العلمية اخترعه ابن الهيثم. ثم استمر على هذا النحو مع كيبلر (على الرغم من أنه أضاف أشياء مهمة) ثم مع ديكارت ثم مع نيوتن. ويضيف رشدي راشد بأن علم الموازين مثلا نجد أسسه مع ابن أرخميدس, وسوف تتراكم المعلومات فيما بعد ولكن ضمن نفس الأسلوب ونفس النمط. إذا فالقطيعة في هذا العلم تمت من قبل أرخميدس نفسه, مثله في ذلك مثل العالم العربي ثابت بن قرة إذ أضاف أشياء ومكتشفات جديدة. حتى مجيء القرن الثامن عشر حيث حصلت القطيعة الثانية. ونفس الشيء بالنسبة لعلم الفلك والرياضيات. إذا فالاهتمام بالتراث العربي العلمي هو جزء يسير من اهتمام بتاريخ العلوم جملة، ولعل في هذا المستوى نشير إلى النصوص الهامة التي حققها كل من الأستاذ عبد المجيد صبره, والأستاذ علي مصطفى مشرفة, والأستاذ رشدي راشد, والأستاذ جورج صليبا, وغيرهم. وهي دراسات تهتم بالتأريخ الفعلي للعلوم العربية. بعيدة كل البعد عن التمجيد والحنينة والإسقاط.
II - اتصـال الحضارات.
كاد ينعقد الرأي عند جمهرة المستشرقين في القرن التاسع عشر، على الاستخفاف بدور العرب في بناء الحضارة الإنسانية، والإصرار على أن الحضارة الأوربية لا تدين بالفضل لغير أجدادهم من اليونان والرومان، والإدعاء بأن العرب "بطبيعتهم" لم يخلقوا للتفكير الأصيل المبتكر، وجاء هذا في وقت اشتد فيه التعصب الديني والجنسي الذي يؤكد تفوق الجنس الآري الأبيض على غيره من الأجناس، وسبق أوربا في الخلق الحضاري على غيرها من القارات، والارتفاع بالمسيحية على غبرها من الديانات، بذلك استقلت كل ثقافة عالمية من غيرها من الثقافات. إلى أن عولج موضوع الحضارات الكبرى والثقافات العالمية أوائل القرن العشرين بأمانة وموضوعية، عندئذ كشف الباحثون نصوص ووثائق رفعت الحواجز التي كانت تقوم بين الحضارات، وأثبتت أن الثقافة الإنسانية متنوعة الينابيع، أي أن المعرفة العلمية الحديثة هي معرفة "بكيف يسير الكون" بدون ادعاء وجود حقيقة مطلقة، ومثل هذه المعرفة كما يؤكد 'جوزيف نيدهام' ليست موروثة لمجتمع قومي ولا لجماعة عرقية ولا لأمة معينة. ومن ثمة فإن العلم الحديث الذي يتحدث عنه نيدهام هو علم عالمي متراكم يمكن أن تستخدمه شعوب الأرض جميعا فضلا عن أنه تبقى الحقيقة وهي أن العالم العربي قد أسهم بقدر كبير في المعرفة العلمية، أي أن نسق نتاج المعرفة قد شارك فيه أناس من كل أنحاء العالم.
من هذا المنظور كذلك يرى قدري حافظ طوقان أنه يجب ينظر إلى الفكر البشري على أنه كائن ينمو ويتطور باستمرار بحيث يكون التاريخ عبارة عن سلسلة من الأدوار المتعاقبة, قام بالدور الأول فيه اليونان, ثم تلاهم العرب الذين قاموا بدور مهد العقول والأذهان للأدوار التي قام بها الغربيون فيما بعد , فليس هناك سبق في هذه الأدوار,وإنما يأخذ اللاحق من السابق,أي أن تسلسل الأدوار لا يقبل مقولة السبق بل هناك علاقة فقط بين السابق واللاحق على أساس الأخذ من السابق والإضافة إلى الحاضر.
إن قدري حافظ طوقان لا يؤكد أن العرب أفضل أمة أخرجت إلى الناس"أنا لا أدعي أن العرب خير الناس ولا أفضل الناس,ولا أزعم أن قابلية في جنس تكون أعلى منها في جنس أخر" . وبذالك ينساق طوقان وراء نزعة تطورية تنظر إلى تاريخ العلم انطلاقا من منطق التراكم, إذ المرور من مرحلة علمية إلى أخرى تتم عبر تنويع الأفكار القائمة وتوسيعها بدلا من إعادة البناء على أسس جديدة تدخل تغييرات على مستوى المناهج وطرق البحث السائدة. من ثم فإن التراث العلمي في لحظته العربية الوسيطة سيبدو مع طوقان عبارة عن سلسلة من جهود فردية أو جماعية تحقق دائما درجة ما من التقدم لتيسير حركة التاريخ.
ورد هذا كله في مؤلفات العرب الطبية التي ترجمت إلى اللاتينية وألم بها الأوربيين, لأن تقدم العرب على النحو السالف الذكر كان في وقت نفرت فيه السلطات في أوربا من الطب. من ثم أخدت أوربا نقطة الإنطلاق فبدأت بتأسيس مدارس طبية عولت فيها كثيرا على الكتب العربية. وما يقال في الطب يقال في علوم أخرى سبق الإشارة اليها:
ففي علم الكمياء ينعقد الرأي اليوم عند الباحثين الغربيين على أن العرب هم مؤسسوا الكمياء علما تجريبيا شأنه شأن غيره من العلوم الطبيعية. لأنهم خلصوا دراستهم من الغموض والرمزية – والتي كانت لدى علماء الإسكندرية بوجه خاص - واصطنعوا فيها منهجا استقرائيا سليما يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية وقد كان من رواد الكمياء جابر بن حيان فهو الذي وصف ملح النشادر ونثرات الفضة وحامض الأزوت وعرف كثير من العمليات الكميائية كالتبخر والتقطير والترشيح... - كان اول من لاحظ أن نثرات الفضة تكون مع محلول الطعام راسبا أبيض وأن النحاس يكسب اللهب لونا أخضر- وبذلك فالكميات عنده تشتمل على الأعداد والأقدار من الأوزان والمكاييل, في حين أن الكيفيات هي الصفات التي لا تقاس –لا أوزان لها- وبذلك ترجمت كتبه الى اللاتينية وظلت المراجع المعتمدة في الكمياء الأوربية عدة قرون, شأنه في ذلك شأن أبو بكر الرازي فحسبه فضلا في الكمياء أنه رفض السحر والتنجيم وجاهر بأنه لا يسلم إلا بما تثبته التجربة من حقائق وقد تمت ترجمت كتابه "سر الأسرار" من طرف يوليوس روسكا. وبذلك عرف الأوربيون مصطلحات كميائية باسمها العربي كالقلويات (AlKali) وماء الفضة, وعرف كذلك الأوربيون ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس وبعض السموم, ومن كتبه التي ترجمت إلى اللاتينية هناك كتاب " السبعين" وكتاب "تركيب الكمياء", وظلت كتب جابر مراجع في الكيمياء عند الأوربيين إلى أخر القرن السابع عشر وكذلك كان الحال مع كتب الرازي وعنها تلقى الأوربيون تقسيم الكميائية إلى نباتية وحيوانية ومعدنية وعن طريق الكشوف العربية عرف الأوربيون استخدام البارود في أسلحة القتال.
وقد أخذت أوربا عن العرب فن الصيدلة على اعتبار أنهم أول من اشتغل بتحضير الأدوية الطبية وابتكروا الكثير من أنواعها, فهم أول من أنشأ صناعة العقاقيرعلما تجريبيا, وتمكنوا عن طريقه من ابتكار أدوية لم تكن معروفة من قبل, وركبوها من أصول نباتية وحيوانية ومعدنية,وبذلك كانوا سباقين إلى ابتداع الأقرباذين على الصورة التي وصلت إلينا. وكان للعرب الفضل في كشف الكثير من الأدوية, في مقدمتها الكافور والصندل والمسك وجوز الطب والقرفة وغيرها. كما ابتدعوا صنوفا من الشراب والكحول والمستحلب والخلاصة العطرية ونحوها, واستخدموا الكاويات في الجراحة وكان مما ساعدهم عليها تقدم الكمياء التجريبية وعلم النبات المستند إلى الملاحظة الحسية. فأخذت أوربا كلوريد الزئبق ونترات البوتاس وحامض الكريتك والكحول... واحتفظت أوربا أيضا بكتب ابن محمد الفافقي وابن البيطار في كتابه " الجامع في الأدوية المفردة" وقد ضم أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية, وبذلك كانت أوربا على صلة بتراث هؤلاء الأعلام وأفادت من ثمرات جهودهم العلمية الشيء الكثير.
وتماشيا مع تعاليم الدين وتقاليده, ولما كان من الصيادلة من يلتمس الربح الحرام بغش الأدوية, فقد نشأ نظام الحسبة الذي يفرض الرقابة على الغش. ومن هنا اقتضت المصلحة فرض امتحان ومنح ترخيص بمزاولة المهنة لكل من يريد الإشتغال بالصيدلة.
وتدين الرياضيات كذلك بشطر كبير من تقدمها إلى العرب بل إن بعض فروع الرياضيات اختراع عربي وقد ترجم العرب رسائل هندية في الفلك فهذبوها وسلموها إلى أوربا وعرفت باسم الأرقام العربية (arabic numerals), وقد استخدم الخوارزمي هذه الأرقام في جداوله الرياضية في كتابه "حساب الجبر والمقابلة" والذي تمت ترجمته إلى اللاتينية في النصف الأول من القرن الثاني عشر. ويدين علم الجبر كذلك إلى العرب، فهم أول أطلق عليه اسمه، ولا يزال الفرنجة يحتفظون حتى اليوم باسمه العربي, وفي كتاب الخوارزمي السالف الذكر توجد أصول هذا العلم ومقوماته كما توجد جداول حساب المثلثات، والخوارزمي، هو صاحب الحلول التحليلية والهندسية لمعادلات الدرجة الثانية, وقد عولت الجامعات الأوربية على كتاب الجبر والمقابلة حتى القرن السادس عشر وعنه عرفت كلمة الجبر في اللغات الأوربية.
ويدين علم حساب المثلثات (Trigonometry), بوجوده لرياضيي العرب, فهم أول من أقاموه علما مستقلا عن علم الفلك, بعد أن كان مجرد معلومات تخدم الفلك و أرصاده. وبفضل قوانين هذا العلم تقدمت بحوث الهندسة والمساحة والطبيعة. ولعل البيروني والبتاني ونصير الدين الطوسي أهم رواد هذا الفرع من الرياضيات. ومن دلالات الأصالة في التفكير الرياضى العربي أن العرب قد استعانوا في المسائل الهندسية بالجبر, كما استعانوا في المسائل الجبرية بالهندسة, فوفقوا بهذا إلى وضع أصول الهندسة التحليلية التي تعزى نشأتها في أوربا إلى ديكارت في القرن السابع عشر.
وفي الفلك , فقد سبق العرب الغربيين من الفلكيين إلى اختراع آلات من شأنها أن تمد في قدرة الحواس على الإدراك, واستخدموا مراصد كانت من أول المراصد في علم الفلك. كان المرصد الذي أنشأ في الإسكندرية في القرن الثالث هو الوحيد في العالم حتى أنشأ العرب المراصد في بغداد والقاهرة ودمشق وحواضر الأندلس ومراغة وسمرقند وغيرها. وكان من مقدمة رواد علم الفلك من العرب بنو موسى بن شاكر, وابو معشر البلخي, وثابت بن قرة, والبيروني, والفرقاني, الذي يسميه الفرنجة باسم alfaraganus, وغيرهم ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغة اللاتينية, وكانت مرجع الأوربيين حتى أواخر عصورنا الحديثة.
أما في مجال الفلسفة, فقد تدارك الفلاسفة الإسلاميون في شروحهم وتعليقاتهم نقص الفلسفات القديمة وقصورها. بل كان لهذه الفلسفة الإسلامية شخصيتها المستقلة التي ميزت موضوعاتها ومناهج بحثها. وقد كان إعلامها وهم في غمرة محاولتهم التوفيق بين الدين والفلسفة, أو الشريعة والحكمة, يواجهون مشكلات جديدة لم تفرض نفسها على أسلافهم. كان عليهم أن يواجهوا مشكلة الخلق والألوهية والبعث, والعلاقة بين الخالق والمخلوق, ومشكلة الوحي الإلهي, وموضوع النبوة, ومعضلة النفس وخلودها, ونحو ذلك مما لا نظير له في الفلسفات القديمة التي لم يقدر لها أن تعيش في إطار ديني كإطار الدين الإسلامي, وقد حرص فلاسفة الإسلام على أن يثبتوا أن الوحي والعقل حق, وأنهما يختلفان منهجا ويلتقيان في نهاية الأمر. ولكنها انفردت برغم هذا بالبحث في مشكلات كانت وليدة المجتمع الإسلامي. وفي ظل هذا التفكير الفلسفي الإسلامي, نشأ علم الكلام الذي يبحث في العقائد الإسلامية بالأدلة العقلية. وتأثر بالفلسفة, كذلك التصوف الإسلامي الذي ينزع إلى تذوق العقيدة عن طريق القلب. والذي اهتدى أصحابه منذ القرن التاسع إلى نظريات صوفية فلسفية في الوجود والمعرفة. بذلك انتقلت الفلسفة الإسلامية العربية - من كلام وتصوف - إلى أوربا. وقد تم ذلك من خلال طريقتين اثنتين: الاتصال الشخصي، والنقل والترجمة. ذلك أن مسيحي الشرق قد اتصلوا بالمسلمين على إثر فتوحات فارس والشام ومصر وشاركوهم نشاطهم الفكري والثقافي وقادوا الحركة العلمية الإسلامية الناشئة. بذلك ترجمت أوربا كتبا في الرياضة والفلك والطب والكيمياء والنبات والسحر والتنجيم وعرفت كبار علماء الإسلام من جابر بن حيان, والرازي, والخوارزمي, وابن الهيثم, وعلي بن رضوان, وغيرهم. وعرفت كذلك الكندي, والفارابي, حيث ترجمت كتابه "إحصاء العلوم" و"مقالة في العقل", وعنت أوربا بابن سينا وترجمت موسوعته الفلسفية "الشفاء" حيث كانت لهذا الكتاب خاصة في النسخة اللاتينية أثار عميقة في الحركة الفكرية في أوربا، كما تمت ترجمت كتاب "مقاصد الفلاسفة" و"تهافت الفلاسفة" للغزالي وقد ترجمت أوربا كتب ابن رشد وشروحاته على أرسطو صغيرة وكبيرة, وترجمت له "تهافت التهافت" واتجهت أوربا إلى دراسة أرسطو عن طريق العرب أولا. حتى كان ابن رشد وابن سينا عند الأوربيين هما الممثلان الحقيقيان للفلسفة الإسلامية، وقد كان لهما في أوربا تلاميذ وأتباع. وبذلك أثرا في الفلسفة المسيحية تاتيرا كبيرا.
إذا، إذا كان علم الطبيعة قد نشأ في أوربا على يد جاليليو و نيوتن, فإن هذا العلم قد استقام أمره في علم البصريات عند ابن الهيثم, وإذا كان علم الكمياء يعود في نشأته إلى لافوازيه فقد سبق الى ابتداعه جابر بن حيان, وإذا كانت نشأة علم التشريح وعلم الطب تدين بالفضل الى بارلا اسلوس وعلم الأحياء الى كلود برنار, فإن مقومات هذه العلوم قد عرفت عند العرب, عند ابي بكر الرازي, وابقراط العرب -ابن سينا-. واذا كان أكبر وأول رواد علم الفلك في الغرب هو كوبرنيكوس ثم كاليلو فان نشأة علم الفلك علما تجريبيا تدين لعلماء العرب من أمثال البيروني وابن يونس المصري.
بالإضافة إلى ذلك نشير إلى الخطوات العملاقة المتنوعة التي اتخذت في الفكر الفلكي العربي والتي أدت إلى تطور الفكر الفلكي الأوربي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فقد اكتشف العرب نظام للأجرام يعادل رياضيا ما توصل إليه كوبرنيكوس . أو بتعبير آخر استعمل كوبرنيكوس الزوج "الطوسي" كما فعل فلكيو مراغة، فالنماذج الطولية للأجرام عنده مستندة إلى نماذج ابن الشاطر. وكذلك النماذج القمرية مماثلة لمدرسة مراغة. هذا التكافؤ الكامل في النماذج أدى إلى أن يتساءل الباحثون "متى وأين" تعلم كوبيرنكوس نظرية مراغة .
لما كانت الثورة العلمية في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر تتركز على التطورات الفلكية، فإن الإنجاز الفلكي في الإسلام خلال هذه الفترة كان عميقا ومتقدما إلى حد ابعد عن نظيره في أوربا. فالصورة التي لدينا عن النشاط الفلكي الإسلامي خلال القرن الثاني والثالث عشر توحي بأن فلكيون العرب كانوا يعملون بجد لإصلاح النسق البطليموسي, والقائم على مركزية الأرض, وذلك من خلال عمليات معقدة متضمنة نماذج رياضية واستدلالات فلكية، ويشير الدكتور "صبره", مثلا إلى أن العالم الرياضي ابن الهيثم قد أدى دورا مهما في إثارة الفلكيين العرب كي يتجاوزوا بطليموس واليونان، وقد فعل ذلك في توضيح شكوكه حول النظرية الفلكية البطليموسية في تعليقه على 'المجسطي'. فكانت لابن الهيثم كما يقول الدكتور "صبره" الجرأة على وضع ترتيبات جديدة. كخطة علمية حقيقية. خطة بحث إسلامية في الفلك مشتملة على مجموعة من الإعتراضات العلمية، القائمة في النظرية المجسطية, وقد بلغ التمرد العقلي مداه مع البتروجي في محاولة منه لإصلاح النسق البطليموسي بتطوير فعلي للنماذج الرياضية الجديدة, وهو ما حاول الوصول إليه كذلك فلكيي "مدرسة مراغة" من أمثال: الأزدي, والطوسي, وقطب الدين الشيرازي, وابن الشاطر, وقد نجحوا في الوصول إلى نماذج لنظام غير بطليموسي تكررت بعد ذلك في كتاب كوبرنيكوس، أي أن التماثل كبير جدا بين نظام الأجرام في مدرسة مراغة "كما عدلها ابن الشاطر" وبين النماذج الكوبرنيكوسية . وهو تماثل قد يؤدي بنا إلى القول بأن كوبيرنيكوس قد يكون أحد أتباع مدرسة مراغة . وهو ما شكل حيرة كبيرة, وجدال مستفيض بين الباحثين في المائة والخمسين سنة الأخيرة, حول مسألة التأريخ للعلوم أو ما يعرف بمسألة "القطيعة الإبستيمولوجية", إذ هناك من يرى أن العلم العربي بالرغم من وصوله إلى الريادة والسبق في الكثير من النظريات العلمية، إلا أنه لم يصل إلى الخطوة أو الميل الأخير للثورة العلمية الحديثة. ففي ميدان الطب مثلا فقد لعب الطب دورا أساسيا في إحراز أو إنجاب الطب الحديث، إذ استمر حتى القرن الثالث عشر بعد أن انتقل إلى أوربا، وظهر نفس النمط في الطب حيث أنجز تقدم هائل، لكن مع ذلك فالطب العربي لم يصل إلى ثورة علمية، ولعل ذلك يقتضي الوقوف على تفسير وتناول مختلف الأنظمة الفلسفية والدينية والتشريعية في الحضارة العربية الإسلامية.
إذا كان – كما يقال – أن العلم الحديث يعود في نشأته إلى ديكارت أو قبله بقليل إلى كوبرنيكوس و غاليليو, فإن هذا يشكل قطيعة إبستيمولوجية مع كل العلم السابق له, والذي هيمن على البشرية قرون عدة , وإذا كان الأمر كذالك, فإن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى "ثورة العلم الحديث" في الغرب حتى القرنين الثاني والثالث عشر, وإذا كان الأمر كذالك, فهل العلم العربي ينتمي من الناحية الإبستمولوجية إلى الفضاء العلمي القروسطي , أم إلى الفضاء العلمي الحديث؟
لعلنا هنا سنجد إجابات و أبحاث مختلفة و متنوعة, تثبت و تنفي, بل تقصي أحيانا كما هو الشأن في كثير من الأبحاث الإستشراقية, إذ ترى في العلم العربي أنه مجرد وسيط فقط ( كتابات رينان,ميشيل سير,غرانجيه...), بل يضعون العلم العربي خارج التاريخ. وهو موقف مضاد للحقيقة بكل بساطة ,وذالك انطلاقا من كونه ينظر إلى العلم العربي بطريقة قوموية تبجيلية متعجرفة ومعادية لكل مرحلة علمية في القرون الوسطى, إلا أن ما يبقى ثابتا هو أن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى ثورة العلم الحديث. فرشدي راشد يرى أن ابن الهيثم يشكل قطيعة مع التراث اليوناني, في حين أنه يشكل استمرارية مع العلم الحديث, لأنه هو الذي قال بأن الشعاع البصري لا يخرج من العين إلى شيء, وإنما يأتي من الشيء وينعكس على جلدية العين. إذن هناك نموذج جديد في العقلانية العلمية اخترعه ابن الهيثم. ثم استمر على هذا النحو مع كيبلر (على الرغم من أنه أضاف أشياء مهمة) ثم مع ديكارت ثم مع نيوتن. ويضيف رشدي راشد بأن علم الموازين مثلا نجد أسسه مع ابن أرخميدس, وسوف تتراكم المعلومات فيما بعد ولكن ضمن نفس الأسلوب ونفس النمط. إذا فالقطيعة في هذا العلم تمت من قبل أرخميدس نفسه, مثله في ذلك مثل العالم العربي ثابت بن قرة إذ أضاف أشياء ومكتشفات جديدة. حتى مجيء القرن الثامن عشر حيث حصلت القطيعة الثانية. ونفس الشيء بالنسبة لعلم الفلك والرياضيات. إذا فالاهتمام بالتراث العربي العلمي هو جزء يسير من اهتمام بتاريخ العلوم جملة، ولعل في هذا المستوى نشير إلى النصوص الهامة التي حققها كل من الأستاذ عبد المجيد صبره, والأستاذ علي مصطفى مشرفة, والأستاذ رشدي راشد, والأستاذ جورج صليبا, وغيرهم. وهي دراسات تهتم بالتأريخ الفعلي للعلوم العربية. بعيدة كل البعد عن التمجيد والحنينة والإسقاط.
II - اتصـال الحضارات.
كاد ينعقد الرأي عند جمهرة المستشرقين في القرن التاسع عشر، على الاستخفاف بدور العرب في بناء الحضارة الإنسانية، والإصرار على أن الحضارة الأوربية لا تدين بالفضل لغير أجدادهم من اليونان والرومان، والإدعاء بأن العرب "بطبيعتهم" لم يخلقوا للتفكير الأصيل المبتكر، وجاء هذا في وقت اشتد فيه التعصب الديني والجنسي الذي يؤكد تفوق الجنس الآري الأبيض على غيره من الأجناس، وسبق أوربا في الخلق الحضاري على غيرها من القارات، والارتفاع بالمسيحية على غبرها من الديانات، بذلك استقلت كل ثقافة عالمية من غيرها من الثقافات. إلى أن عولج موضوع الحضارات الكبرى والثقافات العالمية أوائل القرن العشرين بأمانة وموضوعية، عندئذ كشف الباحثون نصوص ووثائق رفعت الحواجز التي كانت تقوم بين الحضارات، وأثبتت أن الثقافة الإنسانية متنوعة الينابيع، أي أن المعرفة العلمية الحديثة هي معرفة "بكيف يسير الكون" بدون ادعاء وجود حقيقة مطلقة، ومثل هذه المعرفة كما يؤكد 'جوزيف نيدهام' ليست موروثة لمجتمع قومي ولا لجماعة عرقية ولا لأمة معينة. ومن ثمة فإن العلم الحديث الذي يتحدث عنه نيدهام هو علم عالمي متراكم يمكن أن تستخدمه شعوب الأرض جميعا فضلا عن أنه تبقى الحقيقة وهي أن العالم العربي قد أسهم بقدر كبير في المعرفة العلمية، أي أن نسق نتاج المعرفة قد شارك فيه أناس من كل أنحاء العالم.
من هذا المنظور كذلك يرى قدري حافظ طوقان أنه يجب ينظر إلى الفكر البشري على أنه كائن ينمو ويتطور باستمرار بحيث يكون التاريخ عبارة عن سلسلة من الأدوار المتعاقبة, قام بالدور الأول فيه اليونان, ثم تلاهم العرب الذين قاموا بدور مهد العقول والأذهان للأدوار التي قام بها الغربيون فيما بعد , فليس هناك سبق في هذه الأدوار,وإنما يأخذ اللاحق من السابق,أي أن تسلسل الأدوار لا يقبل مقولة السبق بل هناك علاقة فقط بين السابق واللاحق على أساس الأخذ من السابق والإضافة إلى الحاضر.
إن قدري حافظ طوقان لا يؤكد أن العرب أفضل أمة أخرجت إلى الناس"أنا لا أدعي أن العرب خير الناس ولا أفضل الناس,ولا أزعم أن قابلية في جنس تكون أعلى منها في جنس أخر" . وبذالك ينساق طوقان وراء نزعة تطورية تنظر إلى تاريخ العلم انطلاقا من منطق التراكم, إذ المرور من مرحلة علمية إلى أخرى تتم عبر تنويع الأفكار القائمة وتوسيعها بدلا من إعادة البناء على أسس جديدة تدخل تغييرات على مستوى المناهج وطرق البحث السائدة. من ثم فإن التراث العلمي في لحظته العربية الوسيطة سيبدو مع طوقان عبارة عن سلسلة من جهود فردية أو جماعية تحقق دائما درجة ما من التقدم لتيسير حركة التاريخ.
nadir- عدد الرسائل : 5
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 19/03/2010
دور العلم العربي في العلم الحديث
nadir كتب:بدأ دور العرب في تكوين التفكير العلمي في أوربا, في علوم الطب وعلوم المساعدات من مثل (الصيدلة) والكمياء والنبات – ثم في الطبيعة والفلك والرياضيات والفلسفة والآداب . إلا أننا سنقف وبشكل موجز على بعض اللقطات العلمية من تاريخ الطب عند العرب والتي أسهمت في بناء الطب الأوربي الى جانب الإنجازات الفلكية العربية. فقد شارك العرب في تطور الطب العالمي وأسهموا في العمل على إنضاجه وتركوا بصماتهم على طريق تقدمه وإزدهاره, ومن دلالات هذه المشاركة الإيجابية ما وفقوا إليه من كشوف علمية طبية وماحققوه له من شرائط "العلمية" بدراستهم التجريبية, وما أفاده الأوربيون الذين نهلوا من ثمراته, ومن هذه القوانين العلمية أن العرب كانوا أول من اهتدى الى أن الأوبئة تنشأ عن تعفن تنتقل عدواه عن طريق الهواء والمخالطة, وسموا الأمراض المعدية بالسارية, وكانوا أول من فطن إلى تفتيت الحصانة في المثانة، ومن أوائل من استخدموا المخدر, واخترعوا الإسفنجة المخدرة وأول من نبه وكشف البول السكري والحصبة ووصفوا صب الماء البارد لإيقاف النزيف ... وأمور أخرى. وكان هذا وغيره في الإسلام في وقت حرمت فيه الكنيسة في أوربا صناعة الطب, على أساس أن المرض عقاب من الله ليس من حق إنسان أن يصرفه عمن استحقه, بذلك تخلوا عن علاج الأمراض وعن استخدام الجراحة, الى أن أخدوا الموسوعات الطبية العربية بعد أن ترجمت كلها الى اللاتينية كان في مقدمتها كتاب " القانون " لأبن سينا و"الحاوي" للرازي, وهو أكبر من القانون وأوسع مادة ومضمونا وكان كذلك" الكتاب الملكي في الطب" لعلي بن عباس شائعا عند الأوربيين لستة قرون من الزمان, كما كان خلف ابن قاسم الزهراوي معروفا عند الأوربيين من خلال كتابه " التصرف لمن عجز عن التأليف" بأجزائه الثلاثة. وقد ترجم إلى اللاتينية وطبع عشرات المرات في أوربا, وكان مرجعا في جامعات سالرنو ومونبيليه وغيرهما.
ورد هذا كله في مؤلفات العرب الطبية التي ترجمت إلى اللاتينية وألم بها الأوربيين, لأن تقدم العرب على النحو السالف الذكر كان في وقت نفرت فيه السلطات في أوربا من الطب. من ثم أخدت أوربا نقطة الإنطلاق فبدأت بتأسيس مدارس طبية عولت فيها كثيرا على الكتب العربية. وما يقال في الطب يقال في علوم أخرى سبق الإشارة اليها:
ففي علم الكمياء ينعقد الرأي اليوم عند الباحثين الغربيين على أن العرب هم مؤسسوا الكمياء علما تجريبيا شأنه شأن غيره من العلوم الطبيعية. لأنهم خلصوا دراستهم من الغموض والرمزية – والتي كانت لدى علماء الإسكندرية بوجه خاص - واصطنعوا فيها منهجا استقرائيا سليما يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية وقد كان من رواد الكمياء جابر بن حيان فهو الذي وصف ملح النشادر ونثرات الفضة وحامض الأزوت وعرف كثير من العمليات الكميائية كالتبخر والتقطير والترشيح... - كان اول من لاحظ أن نثرات الفضة تكون مع محلول الطعام راسبا أبيض وأن النحاس يكسب اللهب لونا أخضر- وبذلك فالكميات عنده تشتمل على الأعداد والأقدار من الأوزان والمكاييل, في حين أن الكيفيات هي الصفات التي لا تقاس –لا أوزان لها- وبذلك ترجمت كتبه الى اللاتينية وظلت المراجع المعتمدة في الكمياء الأوربية عدة قرون, شأنه في ذلك شأن أبو بكر الرازي فحسبه فضلا في الكمياء أنه رفض السحر والتنجيم وجاهر بأنه لا يسلم إلا بما تثبته التجربة من حقائق وقد تمت ترجمت كتابه "سر الأسرار" من طرف يوليوس روسكا. وبذلك عرف الأوربيون مصطلحات كميائية باسمها العربي كالقلويات (AlKali) وماء الفضة, وعرف كذلك الأوربيون ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس وبعض السموم, ومن كتبه التي ترجمت إلى اللاتينية هناك كتاب " السبعين" وكتاب "تركيب الكمياء", وظلت كتب جابر مراجع في الكيمياء عند الأوربيين إلى أخر القرن السابع عشر وكذلك كان الحال مع كتب الرازي وعنها تلقى الأوربيون تقسيم الكميائية إلى نباتية وحيوانية ومعدنية وعن طريق الكشوف العربية عرف الأوربيون استخدام البارود في أسلحة القتال.
وقد أخذت أوربا عن العرب فن الصيدلة على اعتبار أنهم أول من اشتغل بتحضير الأدوية الطبية وابتكروا الكثير من أنواعها, فهم أول من أنشأ صناعة العقاقيرعلما تجريبيا, وتمكنوا عن طريقه من ابتكار أدوية لم تكن معروفة من قبل, وركبوها من أصول نباتية وحيوانية ومعدنية,وبذلك كانوا سباقين إلى ابتداع الأقرباذين على الصورة التي وصلت إلينا. وكان للعرب الفضل في كشف الكثير من الأدوية, في مقدمتها الكافور والصندل والمسك وجوز الطب والقرفة وغيرها. كما ابتدعوا صنوفا من الشراب والكحول والمستحلب والخلاصة العطرية ونحوها, واستخدموا الكاويات في الجراحة وكان مما ساعدهم عليها تقدم الكمياء التجريبية وعلم النبات المستند إلى الملاحظة الحسية. فأخذت أوربا كلوريد الزئبق ونترات البوتاس وحامض الكريتك والكحول... واحتفظت أوربا أيضا بكتب ابن محمد الفافقي وابن البيطار في كتابه " الجامع في الأدوية المفردة" وقد ضم أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية, وبذلك كانت أوربا على صلة بتراث هؤلاء الأعلام وأفادت من ثمرات جهودهم العلمية الشيء الكثير.
وتماشيا مع تعاليم الدين وتقاليده, ولما كان من الصيادلة من يلتمس الربح الحرام بغش الأدوية, فقد نشأ نظام الحسبة الذي يفرض الرقابة على الغش. ومن هنا اقتضت المصلحة فرض امتحان ومنح ترخيص بمزاولة المهنة لكل من يريد الإشتغال بالصيدلة.
وتدين الرياضيات كذلك بشطر كبير من تقدمها إلى العرب بل إن بعض فروع الرياضيات اختراع عربي وقد ترجم العرب رسائل هندية في الفلك فهذبوها وسلموها إلى أوربا وعرفت باسم الأرقام العربية (arabic numerals), وقد استخدم الخوارزمي هذه الأرقام في جداوله الرياضية في كتابه "حساب الجبر والمقابلة" والذي تمت ترجمته إلى اللاتينية في النصف الأول من القرن الثاني عشر. ويدين علم الجبر كذلك إلى العرب، فهم أول أطلق عليه اسمه، ولا يزال الفرنجة يحتفظون حتى اليوم باسمه العربي, وفي كتاب الخوارزمي السالف الذكر توجد أصول هذا العلم ومقوماته كما توجد جداول حساب المثلثات، والخوارزمي، هو صاحب الحلول التحليلية والهندسية لمعادلات الدرجة الثانية, وقد عولت الجامعات الأوربية على كتاب الجبر والمقابلة حتى القرن السادس عشر وعنه عرفت كلمة الجبر في اللغات الأوربية.
ويدين علم حساب المثلثات (Trigonometry), بوجوده لرياضيي العرب, فهم أول من أقاموه علما مستقلا عن علم الفلك, بعد أن كان مجرد معلومات تخدم الفلك و أرصاده. وبفضل قوانين هذا العلم تقدمت بحوث الهندسة والمساحة والطبيعة. ولعل البيروني والبتاني ونصير الدين الطوسي أهم رواد هذا الفرع من الرياضيات. ومن دلالات الأصالة في التفكير الرياضى العربي أن العرب قد استعانوا في المسائل الهندسية بالجبر, كما استعانوا في المسائل الجبرية بالهندسة, فوفقوا بهذا إلى وضع أصول الهندسة التحليلية التي تعزى نشأتها في أوربا إلى ديكارت في القرن السابع عشر.
وفي الفلك , فقد سبق العرب الغربيين من الفلكيين إلى اختراع آلات من شأنها أن تمد في قدرة الحواس على الإدراك, واستخدموا مراصد كانت من أول المراصد في علم الفلك. كان المرصد الذي أنشأ في الإسكندرية في القرن الثالث هو الوحيد في العالم حتى أنشأ العرب المراصد في بغداد والقاهرة ودمشق وحواضر الأندلس ومراغة وسمرقند وغيرها. وكان من مقدمة رواد علم الفلك من العرب بنو موسى بن شاكر, وابو معشر البلخي, وثابت بن قرة, والبيروني, والفرقاني, الذي يسميه الفرنجة باسم alfaraganus, وغيرهم ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغة اللاتينية, وكانت مرجع الأوربيين حتى أواخر عصورنا الحديثة.
أما في مجال الفلسفة, فقد تدارك الفلاسفة الإسلاميون في شروحهم وتعليقاتهم نقص الفلسفات القديمة وقصورها. بل كان لهذه الفلسفة الإسلامية شخصيتها المستقلة التي ميزت موضوعاتها ومناهج بحثها. وقد كان إعلامها وهم في غمرة محاولتهم التوفيق بين الدين والفلسفة, أو الشريعة والحكمة, يواجهون مشكلات جديدة لم تفرض نفسها على أسلافهم. كان عليهم أن يواجهوا مشكلة الخلق والألوهية والبعث, والعلاقة بين الخالق والمخلوق, ومشكلة الوحي الإلهي, وموضوع النبوة, ومعضلة النفس وخلودها, ونحو ذلك مما لا نظير له في الفلسفات القديمة التي لم يقدر لها أن تعيش في إطار ديني كإطار الدين الإسلامي, وقد حرص فلاسفة الإسلام على أن يثبتوا أن الوحي والعقل حق, وأنهما يختلفان منهجا ويلتقيان في نهاية الأمر. ولكنها انفردت برغم هذا بالبحث في مشكلات كانت وليدة المجتمع الإسلامي. وفي ظل هذا التفكير الفلسفي الإسلامي, نشأ علم الكلام الذي يبحث في العقائد الإسلامية بالأدلة العقلية. وتأثر بالفلسفة, كذلك التصوف الإسلامي الذي ينزع إلى تذوق العقيدة عن طريق القلب. والذي اهتدى أصحابه منذ القرن التاسع إلى نظريات صوفية فلسفية في الوجود والمعرفة. بذلك انتقلت الفلسفة الإسلامية العربية - من كلام وتصوف - إلى أوربا. وقد تم ذلك من خلال طريقتين اثنتين: الاتصال الشخصي، والنقل والترجمة. ذلك أن مسيحي الشرق قد اتصلوا بالمسلمين على إثر فتوحات فارس والشام ومصر وشاركوهم نشاطهم الفكري والثقافي وقادوا الحركة العلمية الإسلامية الناشئة. بذلك ترجمت أوربا كتبا في الرياضة والفلك والطب والكيمياء والنبات والسحر والتنجيم وعرفت كبار علماء الإسلام من جابر بن حيان, والرازي, والخوارزمي, وابن الهيثم, وعلي بن رضوان, وغيرهم. وعرفت كذلك الكندي, والفارابي, حيث ترجمت كتابه "إحصاء العلوم" و"مقالة في العقل", وعنت أوربا بابن سينا وترجمت موسوعته الفلسفية "الشفاء" حيث كانت لهذا الكتاب خاصة في النسخة اللاتينية أثار عميقة في الحركة الفكرية في أوربا، كما تمت ترجمت كتاب "مقاصد الفلاسفة" و"تهافت الفلاسفة" للغزالي وقد ترجمت أوربا كتب ابن رشد وشروحاته على أرسطو صغيرة وكبيرة, وترجمت له "تهافت التهافت" واتجهت أوربا إلى دراسة أرسطو عن طريق العرب أولا. حتى كان ابن رشد وابن سينا عند الأوربيين هما الممثلان الحقيقيان للفلسفة الإسلامية، وقد كان لهما في أوربا تلاميذ وأتباع. وبذلك أثرا في الفلسفة المسيحية تاتيرا كبيرا.
إذا، إذا كان علم الطبيعة قد نشأ في أوربا على يد جاليليو و نيوتن, فإن هذا العلم قد استقام أمره في علم البصريات عند ابن الهيثم, وإذا كان علم الكمياء يعود في نشأته إلى لافوازيه فقد سبق الى ابتداعه جابر بن حيان, وإذا كانت نشأة علم التشريح وعلم الطب تدين بالفضل الى بارلا اسلوس وعلم الأحياء الى كلود برنار, فإن مقومات هذه العلوم قد عرفت عند العرب, عند ابي بكر الرازي, وابقراط العرب -ابن سينا-. واذا كان أكبر وأول رواد علم الفلك في الغرب هو كوبرنيكوس ثم كاليلو فان نشأة علم الفلك علما تجريبيا تدين لعلماء العرب من أمثال البيروني وابن يونس المصري.
بالإضافة إلى ذلك نشير إلى الخطوات العملاقة المتنوعة التي اتخذت في الفكر الفلكي العربي والتي أدت إلى تطور الفكر الفلكي الأوربي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فقد اكتشف العرب نظام للأجرام يعادل رياضيا ما توصل إليه كوبرنيكوس . أو بتعبير آخر استعمل كوبرنيكوس الزوج "الطوسي" كما فعل فلكيو مراغة، فالنماذج الطولية للأجرام عنده مستندة إلى نماذج ابن الشاطر. وكذلك النماذج القمرية مماثلة لمدرسة مراغة. هذا التكافؤ الكامل في النماذج أدى إلى أن يتساءل الباحثون "متى وأين" تعلم كوبيرنكوس نظرية مراغة .
لما كانت الثورة العلمية في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر تتركز على التطورات الفلكية، فإن الإنجاز الفلكي في الإسلام خلال هذه الفترة كان عميقا ومتقدما إلى حد ابعد عن نظيره في أوربا. فالصورة التي لدينا عن النشاط الفلكي الإسلامي خلال القرن الثاني والثالث عشر توحي بأن فلكيون العرب كانوا يعملون بجد لإصلاح النسق البطليموسي, والقائم على مركزية الأرض, وذلك من خلال عمليات معقدة متضمنة نماذج رياضية واستدلالات فلكية، ويشير الدكتور "صبره", مثلا إلى أن العالم الرياضي ابن الهيثم قد أدى دورا مهما في إثارة الفلكيين العرب كي يتجاوزوا بطليموس واليونان، وقد فعل ذلك في توضيح شكوكه حول النظرية الفلكية البطليموسية في تعليقه على 'المجسطي'. فكانت لابن الهيثم كما يقول الدكتور "صبره" الجرأة على وضع ترتيبات جديدة. كخطة علمية حقيقية. خطة بحث إسلامية في الفلك مشتملة على مجموعة من الإعتراضات العلمية، القائمة في النظرية المجسطية, وقد بلغ التمرد العقلي مداه مع البتروجي في محاولة منه لإصلاح النسق البطليموسي بتطوير فعلي للنماذج الرياضية الجديدة, وهو ما حاول الوصول إليه كذلك فلكيي "مدرسة مراغة" من أمثال: الأزدي, والطوسي, وقطب الدين الشيرازي, وابن الشاطر, وقد نجحوا في الوصول إلى نماذج لنظام غير بطليموسي تكررت بعد ذلك في كتاب كوبرنيكوس، أي أن التماثل كبير جدا بين نظام الأجرام في مدرسة مراغة "كما عدلها ابن الشاطر" وبين النماذج الكوبرنيكوسية . وهو تماثل قد يؤدي بنا إلى القول بأن كوبيرنيكوس قد يكون أحد أتباع مدرسة مراغة . وهو ما شكل حيرة كبيرة, وجدال مستفيض بين الباحثين في المائة والخمسين سنة الأخيرة, حول مسألة التأريخ للعلوم أو ما يعرف بمسألة "القطيعة الإبستيمولوجية", إذ هناك من يرى أن العلم العربي بالرغم من وصوله إلى الريادة والسبق في الكثير من النظريات العلمية، إلا أنه لم يصل إلى الخطوة أو الميل الأخير للثورة العلمية الحديثة. ففي ميدان الطب مثلا فقد لعب الطب دورا أساسيا في إحراز أو إنجاب الطب الحديث، إذ استمر حتى القرن الثالث عشر بعد أن انتقل إلى أوربا، وظهر نفس النمط في الطب حيث أنجز تقدم هائل، لكن مع ذلك فالطب العربي لم يصل إلى ثورة علمية، ولعل ذلك يقتضي الوقوف على تفسير وتناول مختلف الأنظمة الفلسفية والدينية والتشريعية في الحضارة العربية الإسلامية.
إذا كان – كما يقال – أن العلم الحديث يعود في نشأته إلى ديكارت أو قبله بقليل إلى كوبرنيكوس و غاليليو, فإن هذا يشكل قطيعة إبستيمولوجية مع كل العلم السابق له, والذي هيمن على البشرية قرون عدة , وإذا كان الأمر كذالك, فإن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى "ثورة العلم الحديث" في الغرب حتى القرنين الثاني والثالث عشر, وإذا كان الأمر كذالك, فهل العلم العربي ينتمي من الناحية الإبستمولوجية إلى الفضاء العلمي القروسطي , أم إلى الفضاء العلمي الحديث؟
لعلنا هنا سنجد إجابات و أبحاث مختلفة و متنوعة, تثبت و تنفي, بل تقصي أحيانا كما هو الشأن في كثير من الأبحاث الإستشراقية, إذ ترى في العلم العربي أنه مجرد وسيط فقط ( كتابات رينان,ميشيل سير,غرانجيه...), بل يضعون العلم العربي خارج التاريخ. وهو موقف مضاد للحقيقة بكل بساطة ,وذالك انطلاقا من كونه ينظر إلى العلم العربي بطريقة قوموية تبجيلية متعجرفة ومعادية لكل مرحلة علمية في القرون الوسطى, إلا أن ما يبقى ثابتا هو أن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى ثورة العلم الحديث. فرشدي راشد يرى أن ابن الهيثم يشكل قطيعة مع التراث اليوناني, في حين أنه يشكل استمرارية مع العلم الحديث, لأنه هو الذي قال بأن الشعاع البصري لا يخرج من العين إلى شيء, وإنما يأتي من الشيء وينعكس على جلدية العين. إذن هناك نموذج جديد في العقلانية العلمية اخترعه ابن الهيثم. ثم استمر على هذا النحو مع كيبلر (على الرغم من أنه أضاف أشياء مهمة) ثم مع ديكارت ثم مع نيوتن. ويضيف رشدي راشد بأن علم الموازين مثلا نجد أسسه مع ابن أرخميدس, وسوف تتراكم المعلومات فيما بعد ولكن ضمن نفس الأسلوب ونفس النمط. إذا فالقطيعة في هذا العلم تمت من قبل أرخميدس نفسه, مثله في ذلك مثل العالم العربي ثابت بن قرة إذ أضاف أشياء ومكتشفات جديدة. حتى مجيء القرن الثامن عشر حيث حصلت القطيعة الثانية. ونفس الشيء بالنسبة لعلم الفلك والرياضيات. إذا فالاهتمام بالتراث العربي العلمي هو جزء يسير من اهتمام بتاريخ العلوم جملة، ولعل في هذا المستوى نشير إلى النصوص الهامة التي حققها كل من الأستاذ عبد المجيد صبره, والأستاذ علي مصطفى مشرفة, والأستاذ رشدي راشد, والأستاذ جورج صليبا, وغيرهم. وهي دراسات تهتم بالتأريخ الفعلي للعلوم العربية. بعيدة كل البعد عن التمجيد والحنينة والإسقاط.
II - اتصـال الحضارات.
كاد ينعقد الرأي عند جمهرة المستشرقين في القرن التاسع عشر، على الاستخفاف بدور العرب في بناء الحضارة الإنسانية، والإصرار على أن الحضارة الأوربية لا تدين بالفضل لغير أجدادهم من اليونان والرومان، والإدعاء بأن العرب "بطبيعتهم" لم يخلقوا للتفكير الأصيل المبتكر، وجاء هذا في وقت اشتد فيه التعصب الديني والجنسي الذي يؤكد تفوق الجنس الآري الأبيض على غيره من الأجناس، وسبق أوربا في الخلق الحضاري على غيرها من القارات، والارتفاع بالمسيحية على غبرها من الديانات، بذلك استقلت كل ثقافة عالمية من غيرها من الثقافات. إلى أن عولج موضوع الحضارات الكبرى والثقافات العالمية أوائل القرن العشرين بأمانة وموضوعية، عندئذ كشف الباحثون نصوص ووثائق رفعت الحواجز التي كانت تقوم بين الحضارات، وأثبتت أن الثقافة الإنسانية متنوعة الينابيع، أي أن المعرفة العلمية الحديثة هي معرفة "بكيف يسير الكون" بدون ادعاء وجود حقيقة مطلقة، ومثل هذه المعرفة كما يؤكد 'جوزيف نيدهام' ليست موروثة لمجتمع قومي ولا لجماعة عرقية ولا لأمة معينة. ومن ثمة فإن العلم الحديث الذي يتحدث عنه نيدهام هو علم عالمي متراكم يمكن أن تستخدمه شعوب الأرض جميعا فضلا عن أنه تبقى الحقيقة وهي أن العالم العربي قد أسهم بقدر كبير في المعرفة العلمية، أي أن نسق نتاج المعرفة قد شارك فيه أناس من كل أنحاء العالم.
من هذا المنظور كذلك يرى قدري حافظ طوقان أنه يجب ينظر إلى الفكر البشري على أنه كائن ينمو ويتطور باستمرار بحيث يكون التاريخ عبارة عن سلسلة من الأدوار المتعاقبة, قام بالدور الأول فيه اليونان, ثم تلاهم العرب الذين قاموا بدور مهد العقول والأذهان للأدوار التي قام بها الغربيون فيما بعد , فليس هناك سبق في هذه الأدوار,وإنما يأخذ اللاحق من السابق,أي أن تسلسل الأدوار لا يقبل مقولة السبق بل هناك علاقة فقط بين السابق واللاحق على أساس الأخذ من السابق والإضافة إلى الحاضر.
إن قدري حافظ طوقان لا يؤكد أن العرب أفضل أمة أخرجت إلى الناس"أنا لا أدعي أن العرب خير الناس ولا أفضل الناس,ولا أزعم أن قابلية في جنس تكون أعلى منها في جنس أخر" . وبذالك ينساق طوقان وراء نزعة تطورية تنظر إلى تاريخ العلم انطلاقا من منطق التراكم, إذ المرور من مرحلة علمية إلى أخرى تتم عبر تنويع الأفكار القائمة وتوسيعها بدلا من إعادة البناء على أسس جديدة تدخل تغييرات على مستوى المناهج وطرق البحث السائدة. من ثم فإن التراث العلمي في لحظته العربية الوسيطة سيبدو مع طوقان عبارة عن سلسلة من جهود فردية أو جماعية تحقق دائما درجة ما من التقدم لتيسير حركة التاريخ.
chouiniali1987- عدد الرسائل : 2
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 26/08/2011
دور العلم العربي في العلم الحديث
nadir كتب:بدأ دور العرب في تكوين التفكير العلمي في أوربا, في علوم الطب وعلوم المساعدات من مثل (الصيدلة) والكمياء والنبات – ثم في الطبيعة والفلك والرياضيات والفلسفة والآداب . إلا أننا سنقف وبشكل موجز على بعض اللقطات العلمية من تاريخ الطب عند العرب والتي أسهمت في بناء الطب الأوربي الى جانب الإنجازات الفلكية العربية. فقد شارك العرب في تطور الطب العالمي وأسهموا في العمل على إنضاجه وتركوا بصماتهم على طريق تقدمه وإزدهاره, ومن دلالات هذه المشاركة الإيجابية ما وفقوا إليه من كشوف علمية طبية وماحققوه له من شرائط "العلمية" بدراستهم التجريبية, وما أفاده الأوربيون الذين نهلوا من ثمراته, ومن هذه القوانين العلمية أن العرب كانوا أول من اهتدى الى أن الأوبئة تنشأ عن تعفن تنتقل عدواه عن طريق الهواء والمخالطة, وسموا الأمراض المعدية بالسارية, وكانوا أول من فطن إلى تفتيت الحصانة في المثانة، ومن أوائل من استخدموا المخدر, واخترعوا الإسفنجة المخدرة وأول من نبه وكشف البول السكري والحصبة ووصفوا صب الماء البارد لإيقاف النزيف ... وأمور أخرى. وكان هذا وغيره في الإسلام في وقت حرمت فيه الكنيسة في أوربا صناعة الطب, على أساس أن المرض عقاب من الله ليس من حق إنسان أن يصرفه عمن استحقه, بذلك تخلوا عن علاج الأمراض وعن استخدام الجراحة, الى أن أخدوا الموسوعات الطبية العربية بعد أن ترجمت كلها الى اللاتينية كان في مقدمتها كتاب " القانون " لأبن سينا و"الحاوي" للرازي, وهو أكبر من القانون وأوسع مادة ومضمونا وكان كذلك" الكتاب الملكي في الطب" لعلي بن عباس شائعا عند الأوربيين لستة قرون من الزمان, كما كان خلف ابن قاسم الزهراوي معروفا عند الأوربيين من خلال كتابه " التصرف لمن عجز عن التأليف" بأجزائه الثلاثة. وقد ترجم إلى اللاتينية وطبع عشرات المرات في أوربا, وكان مرجعا في جامعات سالرنو ومونبيليه وغيرهما.
ورد هذا كله في مؤلفات العرب الطبية التي ترجمت إلى اللاتينية وألم بها الأوربيين, لأن تقدم العرب على النحو السالف الذكر كان في وقت نفرت فيه السلطات في أوربا من الطب. من ثم أخدت أوربا نقطة الإنطلاق فبدأت بتأسيس مدارس طبية عولت فيها كثيرا على الكتب العربية. وما يقال في الطب يقال في علوم أخرى سبق الإشارة اليها:
ففي علم الكمياء ينعقد الرأي اليوم عند الباحثين الغربيين على أن العرب هم مؤسسوا الكمياء علما تجريبيا شأنه شأن غيره من العلوم الطبيعية. لأنهم خلصوا دراستهم من الغموض والرمزية – والتي كانت لدى علماء الإسكندرية بوجه خاص - واصطنعوا فيها منهجا استقرائيا سليما يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية وقد كان من رواد الكمياء جابر بن حيان فهو الذي وصف ملح النشادر ونثرات الفضة وحامض الأزوت وعرف كثير من العمليات الكميائية كالتبخر والتقطير والترشيح... - كان اول من لاحظ أن نثرات الفضة تكون مع محلول الطعام راسبا أبيض وأن النحاس يكسب اللهب لونا أخضر- وبذلك فالكميات عنده تشتمل على الأعداد والأقدار من الأوزان والمكاييل, في حين أن الكيفيات هي الصفات التي لا تقاس –لا أوزان لها- وبذلك ترجمت كتبه الى اللاتينية وظلت المراجع المعتمدة في الكمياء الأوربية عدة قرون, شأنه في ذلك شأن أبو بكر الرازي فحسبه فضلا في الكمياء أنه رفض السحر والتنجيم وجاهر بأنه لا يسلم إلا بما تثبته التجربة من حقائق وقد تمت ترجمت كتابه "سر الأسرار" من طرف يوليوس روسكا. وبذلك عرف الأوربيون مصطلحات كميائية باسمها العربي كالقلويات (AlKali) وماء الفضة, وعرف كذلك الأوربيون ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس وبعض السموم, ومن كتبه التي ترجمت إلى اللاتينية هناك كتاب " السبعين" وكتاب "تركيب الكمياء", وظلت كتب جابر مراجع في الكيمياء عند الأوربيين إلى أخر القرن السابع عشر وكذلك كان الحال مع كتب الرازي وعنها تلقى الأوربيون تقسيم الكميائية إلى نباتية وحيوانية ومعدنية وعن طريق الكشوف العربية عرف الأوربيون استخدام البارود في أسلحة القتال.
وقد أخذت أوربا عن العرب فن الصيدلة على اعتبار أنهم أول من اشتغل بتحضير الأدوية الطبية وابتكروا الكثير من أنواعها, فهم أول من أنشأ صناعة العقاقيرعلما تجريبيا, وتمكنوا عن طريقه من ابتكار أدوية لم تكن معروفة من قبل, وركبوها من أصول نباتية وحيوانية ومعدنية,وبذلك كانوا سباقين إلى ابتداع الأقرباذين على الصورة التي وصلت إلينا. وكان للعرب الفضل في كشف الكثير من الأدوية, في مقدمتها الكافور والصندل والمسك وجوز الطب والقرفة وغيرها. كما ابتدعوا صنوفا من الشراب والكحول والمستحلب والخلاصة العطرية ونحوها, واستخدموا الكاويات في الجراحة وكان مما ساعدهم عليها تقدم الكمياء التجريبية وعلم النبات المستند إلى الملاحظة الحسية. فأخذت أوربا كلوريد الزئبق ونترات البوتاس وحامض الكريتك والكحول... واحتفظت أوربا أيضا بكتب ابن محمد الفافقي وابن البيطار في كتابه " الجامع في الأدوية المفردة" وقد ضم أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية, وبذلك كانت أوربا على صلة بتراث هؤلاء الأعلام وأفادت من ثمرات جهودهم العلمية الشيء الكثير.
وتماشيا مع تعاليم الدين وتقاليده, ولما كان من الصيادلة من يلتمس الربح الحرام بغش الأدوية, فقد نشأ نظام الحسبة الذي يفرض الرقابة على الغش. ومن هنا اقتضت المصلحة فرض امتحان ومنح ترخيص بمزاولة المهنة لكل من يريد الإشتغال بالصيدلة.
وتدين الرياضيات كذلك بشطر كبير من تقدمها إلى العرب بل إن بعض فروع الرياضيات اختراع عربي وقد ترجم العرب رسائل هندية في الفلك فهذبوها وسلموها إلى أوربا وعرفت باسم الأرقام العربية (arabic numerals), وقد استخدم الخوارزمي هذه الأرقام في جداوله الرياضية في كتابه "حساب الجبر والمقابلة" والذي تمت ترجمته إلى اللاتينية في النصف الأول من القرن الثاني عشر. ويدين علم الجبر كذلك إلى العرب، فهم أول أطلق عليه اسمه، ولا يزال الفرنجة يحتفظون حتى اليوم باسمه العربي, وفي كتاب الخوارزمي السالف الذكر توجد أصول هذا العلم ومقوماته كما توجد جداول حساب المثلثات، والخوارزمي، هو صاحب الحلول التحليلية والهندسية لمعادلات الدرجة الثانية, وقد عولت الجامعات الأوربية على كتاب الجبر والمقابلة حتى القرن السادس عشر وعنه عرفت كلمة الجبر في اللغات الأوربية.
ويدين علم حساب المثلثات (Trigonometry), بوجوده لرياضيي العرب, فهم أول من أقاموه علما مستقلا عن علم الفلك, بعد أن كان مجرد معلومات تخدم الفلك و أرصاده. وبفضل قوانين هذا العلم تقدمت بحوث الهندسة والمساحة والطبيعة. ولعل البيروني والبتاني ونصير الدين الطوسي أهم رواد هذا الفرع من الرياضيات. ومن دلالات الأصالة في التفكير الرياضى العربي أن العرب قد استعانوا في المسائل الهندسية بالجبر, كما استعانوا في المسائل الجبرية بالهندسة, فوفقوا بهذا إلى وضع أصول الهندسة التحليلية التي تعزى نشأتها في أوربا إلى ديكارت في القرن السابع عشر.
وفي الفلك , فقد سبق العرب الغربيين من الفلكيين إلى اختراع آلات من شأنها أن تمد في قدرة الحواس على الإدراك, واستخدموا مراصد كانت من أول المراصد في علم الفلك. كان المرصد الذي أنشأ في الإسكندرية في القرن الثالث هو الوحيد في العالم حتى أنشأ العرب المراصد في بغداد والقاهرة ودمشق وحواضر الأندلس ومراغة وسمرقند وغيرها. وكان من مقدمة رواد علم الفلك من العرب بنو موسى بن شاكر, وابو معشر البلخي, وثابت بن قرة, والبيروني, والفرقاني, الذي يسميه الفرنجة باسم alfaraganus, وغيرهم ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغة اللاتينية, وكانت مرجع الأوربيين حتى أواخر عصورنا الحديثة.
أما في مجال الفلسفة, فقد تدارك الفلاسفة الإسلاميون في شروحهم وتعليقاتهم نقص الفلسفات القديمة وقصورها. بل كان لهذه الفلسفة الإسلامية شخصيتها المستقلة التي ميزت موضوعاتها ومناهج بحثها. وقد كان إعلامها وهم في غمرة محاولتهم التوفيق بين الدين والفلسفة, أو الشريعة والحكمة, يواجهون مشكلات جديدة لم تفرض نفسها على أسلافهم. كان عليهم أن يواجهوا مشكلة الخلق والألوهية والبعث, والعلاقة بين الخالق والمخلوق, ومشكلة الوحي الإلهي, وموضوع النبوة, ومعضلة النفس وخلودها, ونحو ذلك مما لا نظير له في الفلسفات القديمة التي لم يقدر لها أن تعيش في إطار ديني كإطار الدين الإسلامي, وقد حرص فلاسفة الإسلام على أن يثبتوا أن الوحي والعقل حق, وأنهما يختلفان منهجا ويلتقيان في نهاية الأمر. ولكنها انفردت برغم هذا بالبحث في مشكلات كانت وليدة المجتمع الإسلامي. وفي ظل هذا التفكير الفلسفي الإسلامي, نشأ علم الكلام الذي يبحث في العقائد الإسلامية بالأدلة العقلية. وتأثر بالفلسفة, كذلك التصوف الإسلامي الذي ينزع إلى تذوق العقيدة عن طريق القلب. والذي اهتدى أصحابه منذ القرن التاسع إلى نظريات صوفية فلسفية في الوجود والمعرفة. بذلك انتقلت الفلسفة الإسلامية العربية - من كلام وتصوف - إلى أوربا. وقد تم ذلك من خلال طريقتين اثنتين: الاتصال الشخصي، والنقل والترجمة. ذلك أن مسيحي الشرق قد اتصلوا بالمسلمين على إثر فتوحات فارس والشام ومصر وشاركوهم نشاطهم الفكري والثقافي وقادوا الحركة العلمية الإسلامية الناشئة. بذلك ترجمت أوربا كتبا في الرياضة والفلك والطب والكيمياء والنبات والسحر والتنجيم وعرفت كبار علماء الإسلام من جابر بن حيان, والرازي, والخوارزمي, وابن الهيثم, وعلي بن رضوان, وغيرهم. وعرفت كذلك الكندي, والفارابي, حيث ترجمت كتابه "إحصاء العلوم" و"مقالة في العقل", وعنت أوربا بابن سينا وترجمت موسوعته الفلسفية "الشفاء" حيث كانت لهذا الكتاب خاصة في النسخة اللاتينية أثار عميقة في الحركة الفكرية في أوربا، كما تمت ترجمت كتاب "مقاصد الفلاسفة" و"تهافت الفلاسفة" للغزالي وقد ترجمت أوربا كتب ابن رشد وشروحاته على أرسطو صغيرة وكبيرة, وترجمت له "تهافت التهافت" واتجهت أوربا إلى دراسة أرسطو عن طريق العرب أولا. حتى كان ابن رشد وابن سينا عند الأوربيين هما الممثلان الحقيقيان للفلسفة الإسلامية، وقد كان لهما في أوربا تلاميذ وأتباع. وبذلك أثرا في الفلسفة المسيحية تاتيرا كبيرا.
إذا، إذا كان علم الطبيعة قد نشأ في أوربا على يد جاليليو و نيوتن, فإن هذا العلم قد استقام أمره في علم البصريات عند ابن الهيثم, وإذا كان علم الكمياء يعود في نشأته إلى لافوازيه فقد سبق الى ابتداعه جابر بن حيان, وإذا كانت نشأة علم التشريح وعلم الطب تدين بالفضل الى بارلا اسلوس وعلم الأحياء الى كلود برنار, فإن مقومات هذه العلوم قد عرفت عند العرب, عند ابي بكر الرازي, وابقراط العرب -ابن سينا-. واذا كان أكبر وأول رواد علم الفلك في الغرب هو كوبرنيكوس ثم كاليلو فان نشأة علم الفلك علما تجريبيا تدين لعلماء العرب من أمثال البيروني وابن يونس المصري.
بالإضافة إلى ذلك نشير إلى الخطوات العملاقة المتنوعة التي اتخذت في الفكر الفلكي العربي والتي أدت إلى تطور الفكر الفلكي الأوربي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فقد اكتشف العرب نظام للأجرام يعادل رياضيا ما توصل إليه كوبرنيكوس . أو بتعبير آخر استعمل كوبرنيكوس الزوج "الطوسي" كما فعل فلكيو مراغة، فالنماذج الطولية للأجرام عنده مستندة إلى نماذج ابن الشاطر. وكذلك النماذج القمرية مماثلة لمدرسة مراغة. هذا التكافؤ الكامل في النماذج أدى إلى أن يتساءل الباحثون "متى وأين" تعلم كوبيرنكوس نظرية مراغة .
لما كانت الثورة العلمية في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر تتركز على التطورات الفلكية، فإن الإنجاز الفلكي في الإسلام خلال هذه الفترة كان عميقا ومتقدما إلى حد ابعد عن نظيره في أوربا. فالصورة التي لدينا عن النشاط الفلكي الإسلامي خلال القرن الثاني والثالث عشر توحي بأن فلكيون العرب كانوا يعملون بجد لإصلاح النسق البطليموسي, والقائم على مركزية الأرض, وذلك من خلال عمليات معقدة متضمنة نماذج رياضية واستدلالات فلكية، ويشير الدكتور "صبره", مثلا إلى أن العالم الرياضي ابن الهيثم قد أدى دورا مهما في إثارة الفلكيين العرب كي يتجاوزوا بطليموس واليونان، وقد فعل ذلك في توضيح شكوكه حول النظرية الفلكية البطليموسية في تعليقه على 'المجسطي'. فكانت لابن الهيثم كما يقول الدكتور "صبره" الجرأة على وضع ترتيبات جديدة. كخطة علمية حقيقية. خطة بحث إسلامية في الفلك مشتملة على مجموعة من الإعتراضات العلمية، القائمة في النظرية المجسطية, وقد بلغ التمرد العقلي مداه مع البتروجي في محاولة منه لإصلاح النسق البطليموسي بتطوير فعلي للنماذج الرياضية الجديدة, وهو ما حاول الوصول إليه كذلك فلكيي "مدرسة مراغة" من أمثال: الأزدي, والطوسي, وقطب الدين الشيرازي, وابن الشاطر, وقد نجحوا في الوصول إلى نماذج لنظام غير بطليموسي تكررت بعد ذلك في كتاب كوبرنيكوس، أي أن التماثل كبير جدا بين نظام الأجرام في مدرسة مراغة "كما عدلها ابن الشاطر" وبين النماذج الكوبرنيكوسية . وهو تماثل قد يؤدي بنا إلى القول بأن كوبيرنيكوس قد يكون أحد أتباع مدرسة مراغة . وهو ما شكل حيرة كبيرة, وجدال مستفيض بين الباحثين في المائة والخمسين سنة الأخيرة, حول مسألة التأريخ للعلوم أو ما يعرف بمسألة "القطيعة الإبستيمولوجية", إذ هناك من يرى أن العلم العربي بالرغم من وصوله إلى الريادة والسبق في الكثير من النظريات العلمية، إلا أنه لم يصل إلى الخطوة أو الميل الأخير للثورة العلمية الحديثة. ففي ميدان الطب مثلا فقد لعب الطب دورا أساسيا في إحراز أو إنجاب الطب الحديث، إذ استمر حتى القرن الثالث عشر بعد أن انتقل إلى أوربا، وظهر نفس النمط في الطب حيث أنجز تقدم هائل، لكن مع ذلك فالطب العربي لم يصل إلى ثورة علمية، ولعل ذلك يقتضي الوقوف على تفسير وتناول مختلف الأنظمة الفلسفية والدينية والتشريعية في الحضارة العربية الإسلامية.
إذا كان – كما يقال – أن العلم الحديث يعود في نشأته إلى ديكارت أو قبله بقليل إلى كوبرنيكوس و غاليليو, فإن هذا يشكل قطيعة إبستيمولوجية مع كل العلم السابق له, والذي هيمن على البشرية قرون عدة , وإذا كان الأمر كذالك, فإن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى "ثورة العلم الحديث" في الغرب حتى القرنين الثاني والثالث عشر, وإذا كان الأمر كذالك, فهل العلم العربي ينتمي من الناحية الإبستمولوجية إلى الفضاء العلمي القروسطي , أم إلى الفضاء العلمي الحديث؟
لعلنا هنا سنجد إجابات و أبحاث مختلفة و متنوعة, تثبت و تنفي, بل تقصي أحيانا كما هو الشأن في كثير من الأبحاث الإستشراقية, إذ ترى في العلم العربي أنه مجرد وسيط فقط ( كتابات رينان,ميشيل سير,غرانجيه...), بل يضعون العلم العربي خارج التاريخ. وهو موقف مضاد للحقيقة بكل بساطة ,وذالك انطلاقا من كونه ينظر إلى العلم العربي بطريقة قوموية تبجيلية متعجرفة ومعادية لكل مرحلة علمية في القرون الوسطى, إلا أن ما يبقى ثابتا هو أن العلم العربي قد أسهم بأكبر قدر فكري حتى ثورة العلم الحديث. فرشدي راشد يرى أن ابن الهيثم يشكل قطيعة مع التراث اليوناني, في حين أنه يشكل استمرارية مع العلم الحديث, لأنه هو الذي قال بأن الشعاع البصري لا يخرج من العين إلى شيء, وإنما يأتي من الشيء وينعكس على جلدية العين. إذن هناك نموذج جديد في العقلانية العلمية اخترعه ابن الهيثم. ثم استمر على هذا النحو مع كيبلر (على الرغم من أنه أضاف أشياء مهمة) ثم مع ديكارت ثم مع نيوتن. ويضيف رشدي راشد بأن علم الموازين مثلا نجد أسسه مع ابن أرخميدس, وسوف تتراكم المعلومات فيما بعد ولكن ضمن نفس الأسلوب ونفس النمط. إذا فالقطيعة في هذا العلم تمت من قبل أرخميدس نفسه, مثله في ذلك مثل العالم العربي ثابت بن قرة إذ أضاف أشياء ومكتشفات جديدة. حتى مجيء القرن الثامن عشر حيث حصلت القطيعة الثانية. ونفس الشيء بالنسبة لعلم الفلك والرياضيات. إذا فالاهتمام بالتراث العربي العلمي هو جزء يسير من اهتمام بتاريخ العلوم جملة، ولعل في هذا المستوى نشير إلى النصوص الهامة التي حققها كل من الأستاذ عبد المجيد صبره, والأستاذ علي مصطفى مشرفة, والأستاذ رشدي راشد, والأستاذ جورج صليبا, وغيرهم. وهي دراسات تهتم بالتأريخ الفعلي للعلوم العربية. بعيدة كل البعد عن التمجيد والحنينة والإسقاط.
II - اتصـال الحضارات.
كاد ينعقد الرأي عند جمهرة المستشرقين في القرن التاسع عشر، على الاستخفاف بدور العرب في بناء الحضارة الإنسانية، والإصرار على أن الحضارة الأوربية لا تدين بالفضل لغير أجدادهم من اليونان والرومان، والإدعاء بأن العرب "بطبيعتهم" لم يخلقوا للتفكير الأصيل المبتكر، وجاء هذا في وقت اشتد فيه التعصب الديني والجنسي الذي يؤكد تفوق الجنس الآري الأبيض على غيره من الأجناس، وسبق أوربا في الخلق الحضاري على غيرها من القارات، والارتفاع بالمسيحية على غبرها من الديانات، بذلك استقلت كل ثقافة عالمية من غيرها من الثقافات. إلى أن عولج موضوع الحضارات الكبرى والثقافات العالمية أوائل القرن العشرين بأمانة وموضوعية، عندئذ كشف الباحثون نصوص ووثائق رفعت الحواجز التي كانت تقوم بين الحضارات، وأثبتت أن الثقافة الإنسانية متنوعة الينابيع، أي أن المعرفة العلمية الحديثة هي معرفة "بكيف يسير الكون" بدون ادعاء وجود حقيقة مطلقة، ومثل هذه المعرفة كما يؤكد 'جوزيف نيدهام' ليست موروثة لمجتمع قومي ولا لجماعة عرقية ولا لأمة معينة. ومن ثمة فإن العلم الحديث الذي يتحدث عنه نيدهام هو علم عالمي متراكم يمكن أن تستخدمه شعوب الأرض جميعا فضلا عن أنه تبقى الحقيقة وهي أن العالم العربي قد أسهم بقدر كبير في المعرفة العلمية، أي أن نسق نتاج المعرفة قد شارك فيه أناس من كل أنحاء العالم.
من هذا المنظور كذلك يرى قدري حافظ طوقان أنه يجب ينظر إلى الفكر البشري على أنه كائن ينمو ويتطور باستمرار بحيث يكون التاريخ عبارة عن سلسلة من الأدوار المتعاقبة, قام بالدور الأول فيه اليونان, ثم تلاهم العرب الذين قاموا بدور مهد العقول والأذهان للأدوار التي قام بها الغربيون فيما بعد , فليس هناك سبق في هذه الأدوار,وإنما يأخذ اللاحق من السابق,أي أن تسلسل الأدوار لا يقبل مقولة السبق بل هناك علاقة فقط بين السابق واللاحق على أساس الأخذ من السابق والإضافة إلى الحاضر.
إن قدري حافظ طوقان لا يؤكد أن العرب أفضل أمة أخرجت إلى الناس"أنا لا أدعي أن العرب خير الناس ولا أفضل الناس,ولا أزعم أن قابلية في جنس تكون أعلى منها في جنس أخر" . وبذالك ينساق طوقان وراء نزعة تطورية تنظر إلى تاريخ العلم انطلاقا من منطق التراكم, إذ المرور من مرحلة علمية إلى أخرى تتم عبر تنويع الأفكار القائمة وتوسيعها بدلا من إعادة البناء على أسس جديدة تدخل تغييرات على مستوى المناهج وطرق البحث السائدة. من ثم فإن التراث العلمي في لحظته العربية الوسيطة سيبدو مع طوقان عبارة عن سلسلة من جهود فردية أو جماعية تحقق دائما درجة ما من التقدم لتيسير حركة التاريخ.
chouiniali1987- عدد الرسائل : 2
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 26/08/2011
مواضيع مماثلة
» العلم القروي المغربي
» إكمال الدراسة أم الزواج.........؟أيهما في مصلحة الفتاة؟؟؟؟؟
» أهمية العلم والتعلم عند ابن باديس
» التكامل العربي ضرورة للنهوض بالتعليم
» عوائق التعليم في الوطن العربي وأفاقه
» إكمال الدراسة أم الزواج.........؟أيهما في مصلحة الفتاة؟؟؟؟؟
» أهمية العلم والتعلم عند ابن باديس
» التكامل العربي ضرورة للنهوض بالتعليم
» عوائق التعليم في الوطن العربي وأفاقه
منتدى آفاق الفلسفة و السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا :: منتدى الفلسفة و الفكر الفلسفي :: الفلسفة الحديثة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى