ختان البنات ورأس المال الرمزي
صفحة 1 من اصل 1
ختان البنات ورأس المال الرمزي
ختان البنات ورأس المال الرمزي
دكتور حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع
كلية الآداب – جامعة بني سويف – ج.م.ع
دكتور حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع
كلية الآداب – جامعة بني سويف – ج.م.ع
تمثل قيمة الشرف و«العرض» أهمية كبرى بالنسبة للجسد الأنثوي في معظم المجتمعات التقليدية، وتعد هذه القيمة جزءاً من رأس المال الرمزي Symbolic capital بتعبير «بيير بورديو»Bourdieu لكل من المرأة والرجل على السواء.
يقصد "برديو" برأس المال الرمزي تلك الموارد المتاحة للفرد نتيجة امتلاكه سمات محددة كالشرفHonor والهيبةPrestige والسمعة الطيبةRenown والسيرة الحسنةReputation والتي يتم إدراكها وتقييمها من جانب أفراد المجتمع.
ويرى بورديو أن رأس المال الرمزي هو مثل أي ملكية أو أي نوع من رأس المال - طبيعي ، اقتصادي، ثقافي ، اجتماعي - يكون مدركاً من جانب فاعلين اجتماعيين تسمح لهم مقولات إدراكهم بمعرفتها والإقرار بها ومنحها قيمة (مثال الشرف في مجتمعات البحر المتوسط هو صيغة نمطية من رأس المال الرمزي ، لاتوجد الا عبر السمعة أي التمثيل الذي يقوم به الآخرون في حالة اشتراكهم في مجموعة معتقدات خاصة تجعلهم يدركون ويقيمون خصائص معينة، وأنواعاً من السلوك إذا كانت شريفة أو مخلة بالشرف).
ويدخل رأس المال الرمزي مختلف الحقول والمجالات ومختلف أشكال السلطة والهيمنة وفي مختلف أشكال العلاقات الاجتماعية ، فكل علاقة اجتماعية هي علاقة سلطة _ بشكل ما _ تتضمن رأس المال الرمزي ، فخاصية الشرف – التي ذكرناها منذ قليل – تحمل معاني أخلاقية محددة ، بحيث أن من يملك خصائص الشرف – كالقيم والمعتقدات والتصرفات – يعد شريفاً ، ومن لا يملكها لا يعد كذلك ، ويكون الشخص الشريف موضع احترام وثقة وتقدير تبعاً لما يملكه من رأس مال رمزي ، ومن ثم يرتبط رأس المال الرمزي بأهمية الموقع الذي يشغله الفرد في الفضاء الاجتماعي من جهة ، وبالقيمة التي يضفيها الناس عليه من جهة أخرى، وتتعلق هذه القيمة بأنظمة استعدادات الأشخاص وتصوراتهم المتوافقة مع البنى الموضوعية القائمة.
ويرتكز رأس المال الرمزي على الذيوع والانتشار Publicity والاستحسان appreciation إنه يرتبط بالهيبة والسمعة والشرف ، التي تلاقي تقديراً من الآخرين، إن رأس المال الرمزي يمكن اعتباره رأس مال من الشرف والهيبة Capital of Honor and Prestige ويتطلب تراكم هذا الشكل من رأس المال جهداً متواصلاً من أجل الحفاظ على العلاقات التي تؤدي الى الاستثمار المادي والرمزي له.
لقد طور بورديو مفهوم رأس المال الرمزي باعتباره يمثل شكلاً خاصاً من رأس المال يتجاوز من خلاله المفهوم الماركسي لرأس المال ، ففي حين ركزت الماركسية على أهمية العوامل الاقتصادية باعتبارها محددات للممارسات الاجتماعية ، حاول بورديو إبراز البعد الرمزي في فهم وإدراك السلوك الإنساني ، وخاصة في دراساته في شمال إفريقيا ، حيث يكون البعد الرمزي أكثر أهمية ، ويؤكد بورديو أنه لا يوجد شئ يخلو من الرمزي .
فالواقع أنه على الرغم من أن شرف المرأة مسألة شخصية خاصة بها، إلا أنه يمثل رمزاً لشرف الجماعة القرابية بأسرها، وعلى الرغم كذلك من أن الأنثى تحتل مكانة اجتماعية ثانوية، بل وهامشية مقارنة بالذكر، إلا أن هيبة الجماعة القرابية ومنزلتها الاجتماعية تتوقفان على سلوك الأنثى، ومدى مراعاتها للمبادئ الأخلاقية أكثر مما تتوقف على سلوك الذكر. وترتبط قيمة شرف الأنثى وتختزل في فكرة «البكارة»أو «العذرية» Virginity ؛ ولذلك فينبغي أن تتخذ كافة التدابير لحماية العذرية، والمحافظة عليها، يجب أن يظل جسد الأنثى منغلقاً أمام أي محاولة من طرف الرجل لانتهاك بكارتها.
إن حماية العذرية يدخل في صميم الملكية الاجتماعية لجسد الأنثى، هاجس بقاء الفتاة عذراء إلى يوم زفافها يمليه التعامل مع جسد المرأة كموضوع «خاص» يجب حراسته، لا يتأسس ذلك الهاجس على اعتبارات دينية وأخلاقية خالصة، بل يتأسس على قوانين التنظيم الاجتماعي، وتحديده لأدوار ومكانات الرجال والنساء، فوضع المرأة يختلف عن وضع الرجل، هذا الوضع يجعل من جسد المرأة وحده موضوعاً للرقابة، ومجالاً لطقوس الحماية والحراسة، وقد أبدعت المجتمعات أشكالاً متعددة لهذه الحراسة.
تمثل عملية الخفاض "الختــــان" Circumcision إحدى أبرزالآليات التي تهدف إلى حراسة الجسد وحماية العذرية، وهو طقس واسع الانتشار في مجتمعات عديدة خاصة في القارة الإفريقية، تشير الإحصاءات إلى أن عملية الخفاض قد أجريت لما يزيد عن مائة وعشرين مليون امرأة في العالم، وهناك مليون أنثى معرضة للخفاض كل عام، وتمارس الخفاض مجتمعات عديدة في القارة الإفريقية والمناطق الجنوبية من الجزيرة العربية وبعض المهاجرين من هذه المناطق في استراليا وأوربا وأمريكا، ويقوم بإجراء الخفاض عادة ممارسون تقليديون محليون.
وتعد القارة الإفريقية أكثر القارات التي ينتشر فيها الخفاض، إذ يتم إجراء الخفاض في 25 دولة إفريقية، وقد انتشر منها لبعض المناطق المجاورة مثل اليمن وسلطنة عمان، ويمارس الختان كذلك في بعض مناطق أمريكا اللاتينية وآسيا، ولا يمارس الختان في دول الشمال الإفريقي العربية،
و أوضحت دراسة سابقة للباحث أن الخفاض في المجتمع المصري ليس مجرد عملية طبية مجردة، وإنما هو ظاهرة معقدة تعكس نظرة المجتمع إلى المرأة وتقديره لسلوكها، ورغبته في الحفاظ على عذريتها، وحمايتها، إنها تقليد ثقافي لابد من إجرائه؛ لأنه يرتبط ببعض القيم السائدة في المجتمعات التقليدية كالشرف والعفاف والعرض.
ومن المهم في هذا السياق التأكيد على ملاحظتين جوهريتين: الأولى أن عملية الخفاض ليست ظاهرة فرعونية كما يزعم الكثيرون، حيث لم يرد لها ذكر في النصوص أو الصور التي تركها المصريون القدماء. فعلى الرغم من أن البرديات الطبية التي تم العثور عليها، تضمنت الكثير من التفاصيل الدقيقة عن الجسد الأنثوي، إلا أنها خلت تماما من الحديث عن خفاض البنات. ويؤكد العديد من الدراسات الأنثروبولوجية أن ظاهرة الخفاض نشأت في بعض المجتمعات الإفريقية البدائية، وارتبطت ببعض معتقداتهم الدينية.
الثانية أن الخفاض لا علاقة له بالإسلام من قريب أو من بعيد، فالقرآن الكريم لم يشر إليها مطلقا، كما أن الأحاديث النبوية التي جرى الناس على تكرارها لاترقى لمستوى اليقين، فهي في مجملها أحاديث ضعيفة الإسناد. فعلى سبيل المثال يذهب الدكتور/ محمد سليم العوا إلى أن حكم الشرع في ختان الأنثى أنه لا واجبٌ، ولا سنةٌ، ولا مكرمةٌ؛ لضعف جميع ما ورد في ذلك، بل هو عادة، وهو عادة ضارّة ضررًا محضًا.
وتوجد في بعض المجتمعات أشباه ونظائر للخفاض، فقد كشفت دراسة زينب المعادي (2004: 89- 90) أن المجتمع المغربي يعرف طقساً رمزيا يؤدي الوظيفة الإجتماعية والثقافية للخفاض يسمى الثقاف، فالثقاف طقس يشير إلى إغلاق رمزي يمارس على جسد الفتاة قبل البلوغ، الهدف منه جعل جسد الأنثى منغلقاً أمام أي محاولة من طرف الرجال لاختراقه، وقد أوضحت الدراسة أن 54% من العينة المدروسة قد عشن طقس الثقاف، وأن 78% من أفراد العينة يعتقدن في جدواه ونجاعته.كما تمارس العملية في تونس وليبيا تحت مسمى "التصفيح"، وتسمى في الجزائر ((الرصد)).
إن السمة الإيجابية للطقوس الشبيهة بالخفاض في مجتمعات المغرب العربي أنها لا تلحق أذى ماديا بالجسد الأنثوي، فالثقاف والرصد والتصفيح هي طقوس رمزية تتأسس على حماية الجسد الأنثوي وصيانته من الانتهاك، من خلال عملية حصانة رمزية، فمن خلال هذه الطقوس الأقرب إلى السحرية يصبح داخل جسد الأنثى قوة خفية تمنع الرجل من انتهاكه، إن تلك الطقوس تدون على الجسد الأنثوي أنه يجب أ ن يكون مغلقا، وهو ما يجسد أعلى درجات الرقابة الاجتماعية. فالانغلاق شرف والانفتاح عار. يتضح مما سبق أن المجتمعات التقليدية تبدع أساليبا متنوعة للحفاظ على جسد الأنثى من الانتهاك، وذلك لأن هذا الجسد يؤشر على رأس المال الرمزي للجماعة القرابية، بل وللمجتمع ككل، فالفتاة التي تفرط في جسدها: «تسود وجوه أهلها، وتسود عمائمهم، وتخفض رؤوسهم إلى الحضيض، وتقصم ظهورهم وتجعلهم مضغة في الأفواه؛ لذلك قد يلجئون في كثير من الأحيان إلى قتلها؛ لغسل العار الذي لحق بهم».
إن استمرار هذه الظاهرة مرهون بتلك القيم المتعلقة بالجسد الأنثوي، باعتباره مؤشرا على رأس المال الرمزي، إن الخفاض لايتم إجراؤه لأسباب أخلاقية أودينية، وإنما من أجل الحفاظ على المكانة الاجتماعية للجماعة القرابية، ورأسماها الرمزي الذي يتم اختزاله في مفهوم العذرية.
المراجع:
1. أشرف عبد الوهاب (1999) نظم التعليم وبطالة قوة العمل: دراسة ميدانية لبطالة المتعلمين في الريف، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة حلوان.
2. بيير بورديو (1998) أسباب عملية : إعادة النظر للفلسفة ، تعريب أنور مغيث ، دار الأزمنة الحديثة ، بيروت.
3. حسني إبراهيم عبد العظيم(2000) العوامل الإيكولوجية والمرض: دراسة سوسيو أنثروبولوجية لمرضى الكبد، رسالة دكتوراه، كلية الآداب ببني سويف، جامعة القاهرة
4. حسني إبراهيم عبد العظيم(2011) الجسد والطبقة ورأس المال الثقافي: قراءة في سوسيولوجيا بيير بورديو، مجلة إضافات( المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد 15.
5. زينب المعادي (2004) الجسد الأنثوي وحلم التنمية: قراءة في التصورات عن الجسد بمنطقة الشاوية بالمغرب، غير مبين دار النشر.
6. سامية الساعاتي(2003) علم اجتماع المرأة، مكتبة الأسرة، القاهرة.
7. محمد فياض(1998) البتر التناسلي للإناث:ختان البنات، دار الشروق، القاهرة
8.Bourdieu, P. (1985), The social space and The genesis of groups, Social Science information, (24)2.
9.Bourdieu, P. (1986) The forms of capital, In Richardson, J, Handbook of theory and research for sociology of education, West Port, ct: greenwood 10 Fuchs, C. (2003) Some implications of Pierre Bourdieu's works of a theory of social self-organization, European j
ournal of social theory, 6(4) .
11. -Mander, M. (1987) Bourdieu, the sociology of culture and cultural studies: a critique, European journal of communication, vol. 2.
حسني إبراهيم عبد العظيم- عضو مميز
- عدد الرسائل : 14
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 06/07/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى